responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 355
أَمَا تَحْزَنُ، أَمَا تَمْرَضُ، أَمَا يُصِيبُكَ الْبَلَاءُ؟ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ وَأَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَحَادِيثَ فِي الْجَزَاءِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْأَعْمَالِ وَجَعَلَهَا تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ وَبَعْضُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقٌ عَامٌّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِهِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ أَوْ كَمَلَتِهِمْ كَأَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَالَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ فِي الدَّرْسِ، وَإِذَا طَبَّقْنَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ، عَلِمْنَا أَنَّ مَصَائِبَ الدُّنْيَا تَكُونُ جَزَاءً عَلَى مَا يُقَصِّرُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ السَّيْرِ عَلَى سُنَنِ الْفِطْرَةِ وَطَلَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ أَسْبَابِهَا، وَاتِّقَاءِ الْمَضَرَّاتِ بِاجْتِنَابِ عِلَلِهَا
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (42: 30) ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّقْصِيرِ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ أَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ عَمَلُ السُّوءِ يُدَسِّي النَّفْسَ وَيُدَنِّسُ الرُّوحَ كَانَ سَبَبًا طَبِيعِيًّا لِلْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا تَكُونُ الْخَمْرُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ فِي الدُّنْيَا بِتَأْثِيرِهَا فِي الْكَبِدِ وَالْجِهَازِ الْهَضْمِيِّ وَالْجِهَازِ التَّنَفُّسِيِّ، بَلْ وَالْمَجْمُوعِ الْعَصَبِيِّ فَهَلْ يَكُونُ الْمَرَضُ النَّاشِئُ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَفَّارَةً لِلْجَزَاءِ عَلَى شُرْبِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي مَعْنَى كَوْنِ مَصَائِبِ الدُّنْيَا كَفَّارَاتٍ لِلذُّنُوبِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَبْ بِمَرَضٍ وَلَا مُصِيبَةٍ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَيُحْرَمُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَمَا إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي بَدَنِهِ تَأْثِيرًا شَدِيدًا؟ أَمِ الْمَصَائِبُ تَكُونُ كَفَّارَاتٍ لِلذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْهَا وَلِغَيْرِهَا مُطْلَقًا؟ وَكَيْفَ يَنْطَبِقُ هَذَا التَّكْفِيرُ عَلَى سُنَّةِ اللهِ فِي الْجَزَاءِ الْأُخْرَوِيِّ؟ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَشِذُّ شَيْءٌ عَنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَكُونُ كَفَّارَةً فِي الْآخِرَةِ إِذَا أَثَّرَتْ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ تَأْثِيرًا صَالِحًا وَكَانَتْ سَبَبًا لِقُوَّةِ الْإِيمَانِ أَوْ تَرْكِ السُّوءِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ لِظُهُورِ ضَرَرِهِ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا، أَوِ الرَّغْبَةِ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ بِمَا تُحْدِثُهُ مِنَ الْعِبْرَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْمُهْتَدِي بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالنَّوَائِبِ فَتَكُونَ مُرَبِّيَةً لِعَقْلِهِ وَنَفْسِهِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِ التَّفْسِيرِ مِرَارًا، وَلَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ مُصِيبَةٍ كَفَّارَةً لِذَنْبٍ أَوْ لِعِدَّةِ ذُنُوبٍ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتِ الْمُصِيبَةُ سَبَبًا لِمُضَاعَفَةِ الذُّنُوبِ وَاسْتِحْقَاقِ أَشَدِّ الْعَذَابِ، كَالْمَصَائِبِ الَّتِي تَحْمِلُ أَهْلَ الْجَزَعِ وَمَهَانَةِ النَّفْسِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ - دَعِ الْكُفْرَ - عَلَى ذُنُوبٍ لَمْ يَكُونُوا لِيَقْتَرِفُوهَا لَوْلَا الْمُصِيبَةُ، وَالْكَلَامُ فِي الْآيَةِ عَلَى جَزَاءِ الْآخِرَةِ بِالذَّاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ يَعْمَلُ السُّوءَ وَيَسْتَحِقُّ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي تَأْثِيرِ عَمَلِ السُّوءِ تَأْثِيرًا تَكُونُ عَاقِبَتُهُ شَرًّا مِنْهُ كَمَا قَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى (30: 10) ، لَا يَجِدُ لَهُ وَلِيًّا غَيْرَ اللهِ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ وَيَدْفَعُ الْجَزَاءَ عَنْهُ، وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرُهُ وَيُنْقِذُهُ مِمَّا يَحِلُّ بِهِ، لَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ تَفَاخَرَ وَيَتَفَاخَرُ أَصْحَابُ الْأَمَانِيِّ بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِمْ
وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست