responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 342
وَبَقِيَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَهُ اللهُ - تَعَالَى - لِلنَّاسِ مِنْ أَنْوَاعِ ضَلَالِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ وَمَا لَا يَغْفِرُهُ لَهُمْ أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَبَيَّنَهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا النَّصُّ بِعَيْنِهِ فِي سِيَاقٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ إِعَادَتِهِ هُنَا ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ قَانُونًا وَلَا كِتَابًا فَنِّيًّا فَيَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا حَافِظُهَا عِنْدَ إِرَادَةِ الْعَمَلِ بِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابُ هِدَايَةٍ وَمَثَانِيَ يُتْلَى لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِبْصَارِ تَارَةً فِي الصَّلَاةِ، وَتَارَةً فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا تُرْجَى الْهِدَايَةُ وَالْعِبْرَةُ بِإِيرَادِ الْمَعَانِي الَّتِي يُرَادُ إِيدَاعُهَا فِي النُّفُوسِ فِي كُلِّ سِيَاقٍ يُوَجِّهُ النُّفُوسَ إِلَيْهَا أَوْ بَعْدَهَا وَيُهَيِّئُهَا لِقَبُولِهَا، وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِتَكْرَارِ الْمَقَاصِدِ الْأَسَاسِيَّةِ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَمَكَّنَ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ فِي النُّفُوسِ إِلَّا بِالتَّكْرَارِ ; وَلِذَلِكَ نَرَى أَهْلَ الْمَذَاهِبِ الدِّينِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ الَّذِينَ عَرَفُوا سُنَنَ الِاجْتِمَاعِ وَطَبَائِعَ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقَهُمْ يُكَرِّرُونَ مَقَاصِدَهُمْ فِي خُطَبِهِمْ وَمَقَالَاتِهِمُ
الَّتِي يَنْشُرُونَهَا فِي صُحُفِهِمْ وَكُتُبِهِمْ، بَلْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الِاجْتِمَاعِ: إِنَّ نَشْرَ التُّجَّارِ لِلْإِعْلَانَاتِ الَّتِي يَمْدَحُونَ بِهَا سِلَعَهُمْ وَبَضَائِعَهُمْ وَيَدُلُّونَ النَّاسَ عَلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا هُوَ عَمَلٌ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَإِنَّ الذِّهْنَ إِذَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ مَدْحُ الشَّيْءِ وَلَوْ مِنَ الْمُتَّهَمِ فِي مَدْحِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: تَقَدَّمَ صَدْرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَتَتِمَّتُهَا هُنَا: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (4: 48) ، وَقَدْ تَقَدَّمَهَا هُنَالِكَ إِثْبَاتُ ضَلَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيفِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ، فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَالتَّسْلِيمَ لَهُ دَرَجَاتٌ، فَمِنْهَا مَا تَغْلِبُ النُّفُوسَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ نَزَوَاتُ الشَّهْوَةِ وَثَوَرَاتُ الْغَضَبِ ثُمَّ يَعُودُ صَاحِبُهُ وَيَتُوبُ، فَهَذَا مِمَّا تَنَالُهُ الْمَغْفِرَةُ، وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ أَسَاسُ الدِّينِ فَلَا يُغْفَرُ الْمَيْلُ عَنْهُ إِلَى ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ الشَّرَكِ، وَالْآيَاتُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ تُفِيدُ أَنَّ السِّيَاقَ هُنَا كَالسِّيَاقِ هُنَاكَ فَأَعَادَهَا لِذَلِكَ الْمَقْصِدِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَمُخَالَفَتَهُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْخُرُوجِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْوُقُوعِ فِي الشَّرَكِ ; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ رُوحُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ، فَالْمُنَاسَبَةُ هُنَا تَقْتَضِي أَنْ يُعَادَ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ إِعَادَةٌ تُنَادِي الْبَلَاغَةُ بِطَلَبِهَا وَلَا تُعَدُّ مِنَ التَّكْرَارِ الَّذِي قَالُوا: إِنَّهُ يُنَافِي الْبَلَاغَةَ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُونَ قَدْ فَهِمُوا مِنْكَ مَعْنَى تَمَامِ الْفَهْمِ كَمَا تُرِيدُ، ثُمَّ ذَكَرْتَهُ لَهُمْ بِعِبَارَةٍ لَا تَزِيدُهُمْ فَائِدَةً وَلَا تَأْثِيرًا جَدِيدًا وَلَا تَمْكِينًا لِلْمَعْنَى وَأَمَّا مَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ هَذَا يُقَالُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْقُرْآنِ يُوَجَّهُ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعُهُمْ يَسْمَعُونَهُ وَيَتْلُونَهُ كُلَّهُ وَيَتَذَكَّرُونَ عِنْدَ كُلِّ سِيَاقٍ مَا يُنَاسِبُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا أَنْتَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْمَعُ هَذَا السِّيَاقَ الَّذِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست