responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 328
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - هَذِهِ الْأَحْكَامَ وَالْحِكَمَ وَالْمَوَاعِظَ الْمُنْطَبِقَةَ عَلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَوَجَّهَ إِلَى كُلِّ مَنْ لَهُ شَأْنٌ فِيهَا مَا يُنَاسِبُهُ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ، خَاطَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، أَيْ: لَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالتَّأْيِيدِ بِالْعِصْمَةِ، وَرَحْمَتُهُ لَكَ بِبَيَانِ حَقِيقَةِ الْوَاقِعَةِ، لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ بِمُسَاعَدَةِ الْخَائِنِ أَنْ يُضِلُّوكَ عَنِ الْحُكْمِ الْعَادِلِ الْمُنْطَبِقِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَضِيَّةِ فِي نَفْسِهَا، أَيْ: يُضِلُّوكَ بِقَوْلِ الزُّورِ وَتَزْكِيَةِ الْمُجْرِمِ وَبُهْتِ الْيَهُودِيِّ الْبَرِيءِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالظَّوَاهِرِ، أَوْ بِمُحَاوَلَةِ الْمَيْلِ إِلَى إِدَانَةِ الْيَهُودِيِّ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُبِيحُ تَرْجِيحَ الْمُسْلِمِ عَلَى غَيْرِهِ وَنَصْرَهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا كَمَا يَعْهَدُونَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمِلَلِ، وَلَكِنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَطْمَعُوا فِي ذَلِكَ وَيَهُمُّوا بِهِ جَاءَكَ الْوَحْيُ بِبَيَانِ الْحَقِّ، وَإِقَامَةِ أَرْكَانِ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ، إِذْ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: جِئْنَا لِنُبَايِعُكَ عَلَى أَلَّا تَكْسِرَ أَصْنَامَنَا وَلَا تُعَشِّرْنَا، فَرَدَّهُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بِانْحِرَافِهِمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هَدَاهُمْ إِلَيْهِ
الْإِسْلَامُ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالتَّعَاوُنِ عَلَيْهِ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَقَدْ عَصَمَكَ اللهُ مِنَ النَّاسِ وَمِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَادِلْ عَنْهُمْ وَلَا أَطْمَعُهُمْ فِي التَّحَيُّزِ لَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِيَ الْآنَ، وَقَدْ رَجَعْتُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ إِلَى مُذَكِّرَاتِي الَّتِي كَتَبْتُهَا فِي دَرْسِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فَإِذَا فِيهَا مَا نَصَّهُ:
كَانَ الْكَلَامُ فِي الْمُخْتَانِينَ أَنْفُسَهُمْ وَمُحَاوَلَتِهِمْ زَحْزَحَةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْحَقِّ، وَقَدْ أَرَادَ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَتَوْجِيهِهَا إِلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ فَضْلَهُ وَنِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِمَا وَرَدَ مِنْ قِصَّةِ طُعْمَةَ ; لِأَنَّهُ عَلَى مَا رُوِيَ قَدْ هَمَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِإِضْلَالِ النَّبِيِّ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ - تَعَالَى - يَقُولُ: إِنَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَيْهِ قَدْ صَرَفَ نُفُوسَ الْأَشْرَارِ عَنِ الطَّمَعِ فِي إِضْلَالِهِ وَالْهَمِّ بِذَلِكَ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْرَارَ إِذَا تَوَجَّهَتْ إِرَادَتُهُمْ وَهِمَمُهُمْ إِلَى التَّلْبِيسِ عَنْ شَخْصٍ وَمُخَادَعَتِهِ وَمُحَاوَلَةِ صَرْفِهِ عَنِ الْحَقِّ فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ طَائِفَةً مِنْ وَقْتِهِ لِمُقَاوَمَتِهِمْ وَكَشْفِ حِيَلِهِمْ وَتَمْيِيزِ تَلْبِيسِهِمْ، وَذَلِكَ يَشْغَلُ الْمَرْءَ عَنْ تَقْرِيرِ الْحَقَائِقِ وَصَرْفِ وَقْتِ الْمُقَاوَمَةِ إِلَى عَمَلٍ آخَرَ صَالِحٍ نَافِعٍ ; وَلِذَلِكَ تَفَضَّلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَحِمَهُ بِصَرْفِ كَيْدِ الْأَشْرَارِ عَنْهُ حَتَّى بَالِهِمْ بِغِشِّهِ وَزَحْزَحَتِهِ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الَّذِي أَقَامَهُ عَلَيْهِ اهـ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 328
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست