responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 284
أَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ تَسْتَخْفُونَ بِدِينِكُمْ كَمَا اسْتَخْفَى بِدِينِهِ مِنْ قَوْمِهُ هَذَا الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ فَقَتَلْتُمُوهُ إِلَى أَنْ لَحِقَ بِكُمْ، أَيْ: فَإِنَّهُ مَا بَقِيَ يُخْفِي الْإِسْلَامَ بَيْنَهُمْ إِلَّا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ يُخْفُونَ إِسْلَامَهُمْ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ فَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَحَمَلَهُمْ عَلَى إِظْهَارِ إِسْلَامِهِمْ، ثُمَّ كَانَ مَنْ بَعْدَهُمْ إِذَا أَسْلَمَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ حَتَّى يَتَيَسَّرَ لَهُ الْهِجْرَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ، بِالْهِجْرَةِ وَالْقُوَّةِ حَتَّى أَظْهَرْتُمُ الْإِسْلَامَ وَنَصَرْتُمُوهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّكُمْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ كُفَّارًا مِثْلَ مَنْ قَتَلْتُمْ بِتُهْمَةِ الْكُفْرِ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَمِنْكُمْ مَنْ أَسْلَمَ لِظُهُورِ حَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ لَهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَمِنْكُمْ مَنْ أَسْلَمَ تَقِيَّةً أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ عِنْدَمَا خَبِرَ الْإِسْلَامَ وَعَرَفَ مَحَاسِنَهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَى " مَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ ": أَنَّهُ تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمُوهُ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ الَّتِي كُنْتُمْ مِثْلَهُ فِيهَا فَتَبَيَّنُوا، أَيْ: اطْلُبُوا الْبَيَانَ أَوْ كُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنَ الْأَمْرِ تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخُذُوا بِالظَّنِّ وَلَا بِالظِّنَّةِ (التُّهْمَةِ) ، أَوْ تَثَبَّتُوا وَلَا تَعْجَلُوا بَعْدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ نِيَّتِكُمْ فِيهِ، وَمِنَ الْمُرَجَّحِ لَهُ هَلْ هُوَ مَحْضُ الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ أَمِ ابْتِغَاءُ الْغَنِيمَةِ؟ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا تَأْكِيدٌ لِذَلِكَ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لِأَجْلِ التَّحْذِيرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْوَعِيدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، حُكْمٌ جَدِيدٌ بِأَنَّ قَتْلَ مَنْ أَلْقَى السَّلَامَ يُعَدُّ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - خَبِيرٌ بِأَعْمَالِكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فِي نُفُوسِكُمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ابْتِغَاءُ حَظِّ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَهُوَ يُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَغْفُلُوا، بَلْ تَثَبَّتُوا وَتَبَيَّنُوا، وَحُكْمُ الْآيَةِ يُعْمَلُ بِهِ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ سَبَبِ نُزُولِهَا، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعَدُّ مُسْلِمًا وَلَا يُبْحَثُ عَنِ الْبَاعِثِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُتَّهَمُ فِي صِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ.
أَقُولُ: فَأَيْنَ هَذَا مِنْ حِرْصِ مَنْ لَمْ يَهْتَدُوا بِكِتَابِ اللهِ فِي إِسْلَامِهِمْ وَلَا فِي عَمَلِهِمْ بِأَحْكَامِهِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى كِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِيَعْتَبِرِ الْمُعْتَبِرُونَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 284
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست