responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 263
شَرُّ التَّحَوُّلِ وَالِارْتِدَادِ الْمَعْنَوِيِّ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ نُكِّسَ عَلَى رَأْسِهِ وَصَارَ يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (67: 22) ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فِي ظُهُورِ ضَلَالَتِهِ فِي أَقْبَحِ مَظَاهِرِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجُوَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَ الْحَقِّ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَا أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِ إِخْوَانِهِمْ فِي شَأْنِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ اللهُ - تَعَالَى - فِعْلَ هَذَا الْإِرْكَاسِ إِلَيْهِ وَقَرَنَهُ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ كَسْبُ أُولَئِكَ الْمُرْكَسِينَ لِلسَّيِّئَاتِ وَالدَّنَايَا مِنْ قَبْلُ حَتَّى فَسَدَتْ فِطْرَتُهُمْ، وَأَحَاطَتْ بِهِمْ خَطِيئَتُهُمْ فَأَوْغَلُوا فِي الضَّلَالِ وَبَعُدُوا عَنِ الْحَقِّ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ وَلَا يَجُولُ فِي أَذْهَانِهِمْ إِلَّا الثَّبَاتُ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ وَمُقَاوَمَةُ مَا عَدَاهُ، مُقَاوَمَةً ظَاهِرَةً عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَخَفِيَّةً عِنْدَ الْعَجْزِ، هَذَا هُوَ أَثَرُ كَسْبِهِمْ لِلسَّيِّئَاتِ فِي نُفُوسِهِمْ وَهُوَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ اللهُ - تَعَالَى - إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَا كَانَ سَبَبًا إِلَّا بِسُنَّتِهِ فِي تَأْثِيرِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فِي نُفُوسِ
الْعَامِلِينَ، أَوْ مَعْنَى أَرْكَسَهُمْ أَظْهَرَ رَكْسَهُمْ بِمَا بَيَّنَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِكُمْ أَنْ تُغَيِّرُوا سُنَنَ اللهِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، فَتَنَالُوا مِنْهَا ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ مَا انْطَبَعَ فِيهَا مَنْ تَقْضِي سُنَّتَهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ بِأَنْ يَكُونَ ضَالًّا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا، يَصِلُ بِسُلُوكِهَا إِلَيْهِ، فَإِنَّ لِلْحَقِّ سَبِيلًا وَاحِدَةً وَهِيَ صِرَاطُ الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمُ، وَلِلْبَاطِلِ سُبُلًا كَثِيرَةً عَنْ يَمِينِ سَبِيلِ الْحَقِّ وَشِمَالِهَا، كُلُّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلًا مِنْهَا بَعُدَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ بِقِدْرِ إِيغَالِهِ فِي السَّبِيلِ الَّتِي سَلَكَهَا وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (6: 153) ، وَلَمَّا تَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ وَضَحَّ مَعْنَاهَا بِالْخُطُوطِ الْحِسِّيَّةِ فَخَطَّ فِي الْأَرْضِ خَطًّا جَعَلَهُ مِثَالًا لِسَبِيلِ اللهِ، وَخَطَّ عَلَى جَانِبَيْهِ خُطُوطًا لِسُبُلِ الشَّيْطَانِ، وَمِنَ الْمَحْسُوسِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْتِيبِ الْأَقْيِسَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ أَنَّ غَايَةَ أَيُّ خَطٍّ مِنْ تِلْكَ الْخُطُوطِ لَا تَلْتَقِي بِغَايَةِ الْخَطِّ الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: إِنَّ سَبِيلَ الْحَقِّ هِيَ صِرَاطُ الْفِطْرَةِ، وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْإِنْسَانُ عَقْلَهُ فِي كُلِّ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَيَتَّبِعُ فِيهِ مَا يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي بِاتِّبَاعِهِ خَيْرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ الْعَاجِلَةُ وَالْآجِلَةُ وَكَمَالُهُ الْإِنْسَانِيُّ، عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِالْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْكَمَالِ، وَمِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَبْحَثَ الْإِنْسَانُ دَائِمًا وَيَطْلُبَ زِيَادَةَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَا يَصُدُّهُ عَنْ هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ شَيْءٌ كَالتَّقْلِيدِ وَالْغُرُورِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ، وَظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَأَنْفَعُ وَأَكْمَلُ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَرِيقَ الْعَقْلِ وَالنَّظَرِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَيَكُونُونَ أَتْبَاعَ كُلِّ نَاعِقٍ، وَيَسْلُكُونَ مَا لَا يُحْصَى مِنَ السُّبُلِ وَإِنِ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمُ الِانْتِسَابَ إِلَى زَعِيمٍ وَاحِدٍ، وَشُبْهَتُهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست