responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 240
كَلَامٍ مُعْتَدِلٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، مُتَصَرِّفٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَحَقَّقَ هَذَا نَظَرَ فِي قَصِيدَةِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ
وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - عَلَى التَّفْصِيلِ - مَا تَتَصَرَّفُ إِلَيْهِ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ وَنَظَائِرُهَا وَمَنْزِلَتَهَا مِنَ الْبَلَاغَةِ، وَنَذْكُرُ وَجْهَ فَوْتِ نَظْمِ الْقُرْآنِ مَحَلَّهَا عَلَى وَجْهٍ يُؤْخَذُ بِالْيَدِ وَيُتَنَاوَلُ مِنْ كَثَبٍ وَيُتَصَوَّرُ فِي نَفْسٍ كَتَصَوُّرِ الْأَشْكَالِ لِيُبَيِّنَ مَا ادَّعَيْنَاهُ مِنَ الْفَصَاحَةِ الْعَجِيبَةِ لِلْقُرْآنِ. اهـ.
(تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ)
حَاصِلُ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَتَأَمُّلَ مَا يَهْدِي إِلَيْهِ بِأُسْلُوبِهِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ هُوَ طَرِيقُ الْهِدَايَةِ الْقَوِيمُ، وَصِرَاطُ الْحَقِّ الْمُسْتَقِيمُ، فَإِنَّهُ يَهْدِي صَاحِبَهُ إِلَى كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِلَى وُجُوبِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ الْعَلِيمِ بِمَا يَصْلُحُ بِهِ أَمْرُهُمْ، مَعَ كَوْنِ مَا يَهْدِي إِلَيْهِ مَعْقُولًا فِي نَفْسِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ، وَمُلَاءَمَتِهِ لِلْمَصْلَحَةِ.
وَفِيهِ أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ لَا خَاصٌّ بِنَفَرٍ يُسَمَّوْنَ الْمُجْتَهِدِينَ
يُشْتَرَطُ فِيهِمْ شُرُوطٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا غِنَى عَنْهُ، هُوَ مَعْرِفَةُ لُغَةِ الْقُرْآنِ مُفْرَدَاتِهَا وَأَسَالِيبِهَا، فَهِيَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ نَشَأَ فِيهِ أَنْ يُتْقِنَهَا بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ بِمُزَاوَلَةِ كَلَامِ بُلَغَاءِ أَهْلِهَا وَمُحَاكَاتِهِمْ فِي الْقَوْلِ وَالْكِتَابِ حَتَّى تَصِيرَ مَلَكَةً وَذَوْقًا، لَا بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي قَوَانِينِ النَّحْوِ وَالْبَيَانِ الَّتِي وُضِعَتْ لِضَبْطِهَا وَلَيْسَ تَعَلُّمُ هَذِهِ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ بِالْأَمْرِ الْعَسِيرِ فَقَدْ كَانَ الْأَعَاجِمُ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى يَحْذِقُونَهَا فِي زَمَنٍ قَرِيبٍ حَتَّى يُزَاحِمُوا الْخُلَّصَ مِنْ أَهْلِهَا فِي بَلَاغَتِهَا، وَإِنَّمَا يَرَاهُ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَسِيرًا لِأَنَّهُمْ شُغِلُوا عَنِ اللُّغَةِ نَفْسِهَا بِتِلْكَ الْقَوَانِينِ وَفَلْسَفَتِهَا، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ مَنْ يَتَعَلَّمُ عِلْمَ النَّبَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ النَّبَاتَ نَفْسَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَلَا يَكُونُ حَظُّهُ مِنْهُ إِلَّا حِفْظَ الْقَوَاعِدِ وَالْمَسَائِلِ فَيَعْرِفُ أَنَّ الْفَصِيلَةَ الْفُلَانِيَّةَ تَشْتَمِلُ عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا رَأَى ذَلِكَ لَا يَعْرِفُهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا وُجُوبُ الِاسْتِقْلَالِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ التَّقْلِيدِ، قَالَ الرَّازِيُّ: " دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ التَّقْلِيدِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمُنَافِقِينَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مِنَ اسْتِدْلَالٍ فَبِأَنْ يَحْتَاجَ فِي مَعْرِفَتِهِ ذَاتِ اللهِ وَصِفَاتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ كَانَ أَوْلَى " اهـ.
الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّازِيُّ وَأَكْبَرُ مِمَّا قَالَ التَّقْلِيدُ مَعَ مَنْعِ الِاسْتِدْلَالِ، وَالِاسْتِدْلَالُ وَاجِبٌ، التَّقْلِيدُ مَنَعَ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ لِلِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَتَدَبُّرُهُ وَاجِبٌ، إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِتَدَبُّرِ كِتَابِهِ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست