responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 237
(وَمِنْهَا) : أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَرَبِ كَلَامٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذِهِ الْفَصَاحَةِ وَالْغَرَابَةِ وَالتَّصَرُّفِ الْبَدِيعِ، وَالْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ، وَالْفَوَائِدِ الْغَزِيرَةِ، وَالْحِكَمِ الْكَثِيرَةِ، وَالتَّنَاسُبِ فِي الْبَلَاغَةِ، وَالتَّشَابُهِ فِي الْبَرَاعَةِ، عَلَى هَذَا الطُّولِ وَعَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إِلَى حَكِيمِهِمْ كَلِمَاتٌ مَعْدُودَةٌ،
وَأَلْفَاظٌ قَلِيلَةٌ، وَإِلَى شَاعِرِهِمْ قَصَائِدٌ مَحْصُورَةٌ، يَقَعُ فِيهَا مَا نُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَالِ، وَيَعْتَرِضُهَا مَا نَكْشِفُهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَيَقَعُ فِيهَا مَا نُبْدِيهِ مِنَ التَّعَمُّلِ وَالتَّكَلُّفِ، وَالتَّجَوُّزِ وَالتَّعَسُّفِ، وَقَدْ حَصَلَ الْقُرْآنُ عَلَى كَثْرَتِهِ وَطُولِهِ مُتَنَاسِبًا فِي الْفَصَاحَةِ عَلَى مَا وَصَفَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ (39: 23) ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (4: 82) ، فَأَخْبَرَ أَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّ إِذَا امْتَدَّ وَقَعَ فِيهِ التَّفَاوُتُ، وَبَانَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ تَعْرِفِ الْفَضْلَ.
" وَفِي ذَلِكَ مَعْنًى ثَالِثٌ: هُوَ أَنَّ عَجِيبَ نَظْمِهِ وَبَدِيعَ تَأْلِيفِهِ لَا يَتَفَاوَتُ وَلَا يَتَبَايَنُ عَلَى مَا يَتَصَرَّفُ إِلَيْهِ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ قَصَصٍ وَمَوَاعِظَ، وَاحْتِجَاجٍ وَحِكَمٍ وَأَحْكَامٍ، وَإِعْذَارٍ وَإِنْذَارٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَتَبْشِيرٍ وَتَخْوِيفٍ، وَأَوْصَافٍ وَتَعْلِيمٍ، وَأَخْلَاقٍ كَرِيمَةٍ، وَشِيَمٍ رَفِيعَةٍ، وَسِيَرٍ مَأْثُورَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا، وَنَجِدُ كَلَامَ الْبَلِيغِ الْكَامِلِ، وَالشَّاعِرِ الْمُلَفِّقِ، وَالْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ يَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَمِنَ الشُّعَرَاءِ مَنْ يَجُودُ فِي الْمَدْحِ دُونَ الْهَجْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْرُزُ فِي الْهَجْوِ دُونَ الْمَدْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْبِقُ فِي التَّقْرِيظِ دُونَ التَّأْبِينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُودُ فِي التَّأْبِينِ دُونَ التَّقْرِيظِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْرِبُ فِي وَصْفِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، أَوْ سَيْرِ اللَّيْلِ، أَوْ وَصْفِ الْحَرْبِ، أَوْ وَصْفِ الرَّوْضِ، أَوْ وَصْفِ الْخَمْرِ، أَوِ الْغَزَلِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الشِّعْرُ وَيَتَدَاوَلُهُ الْكَلَامُ، وَلِذَلِكَ ضُرِبَ الْمَثَلُ بِامْرِئِ الْقَيْسِ إِذَا رَكِبَ، وَالنَّابِغَةِ إِذَا رَهِبَ، وَبِزُهَيْرٍ إِذَا رَغِبَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ الْكَلَامِ، وَمَتَى تَأَمَّلْتَ شِعْرَ الشَّاعِرِ الْبَلِيغِ رَأَيْتَ التَّفَاوُتَ فِي شِعْرِهِ عَلَى حَسَبِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَيَأْتِي بِالْغَايَةِ فِي الْبَرَاعَةِ فِي مَعْنًى فَإِذَا جَاءَ إِلَى غَيْرِهِ قَصَّرَ عَنْهُ، وَوَقَفَ دُونَهُ، وَبَانَ الِاخْتِلَافُ عَلَى شِعْرِهِ، وَلِذَلِكَ ضُرِبَ الْمَثَلُ بِالَّذِينِ سَمَّيْتُهُمْ ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقَدُّمِهِمْ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ، وَلَا شَكَّ فِي تَبْرِيزِهِمُ فِي مَذْهَبِ النَّظْمِ، فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَالُ بَيِّنًا فِي شِعْرِهِمْ لِاخْتِلَافِ مَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ ذِكْرِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ، وَكَذَلِكَ عَنْ تَفْصِيلِ نَحْوِ هَذَا فِي الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهَا.
" ثُمَّ نَجِدُ فِي الشُّعَرَاءِ مَنْ يَجُودُ فِي الرَّجَزِ وَلَا يُمْكِنُهُ نَظْمُ الْقَصِيدِ أَصْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظِمُ الْقَصِيدَ وَلَكِنْ يُقَصِّرُ فِيهِ مَهْمَا تَكَلَّفَهُ وَتَعَمَّلَهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجُودُ فِي الْكَلَامِ الْمُرْسَلِ فَإِذَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 237
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست