responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 229
يَظُنُّ مَنْ نُشِّئَ عَلَى التَّقْلِيدِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِقْلَالِ أَنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الْحَكِيمُ خَطَأٌ ; لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أُمَمِ الْعِلْمِ وَالْمَدَنِيَّةِ ذَاتِ الْبَأْسِ وَالْقُوَّةِ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى تَأْدِيبِ الْمَدَارِسِ، وَسَيْطَرَتِهَا فِي تَكْوِينِ نَابِتَةِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ تَعْتَزُّ بِهِمْ وَيَعْلُو شَأْنُهَا.
مَهْلًا أَيُّهَا الْمُقَلِّدُ الْغِرُّ، إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاظِرِينَ تُصَوِّرُ لَهُمْ أَذْهَانُهُمْ بِدَلَائِلِهَا النَّظَرِيَّةِ أَمْرًا ثُمَّ لَا يَظْهَرُ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ التَّجَارِبِ الطَّوِيلَةِ، وَمِنَ الْأُمُورِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ
الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْوَاءُ الرُّؤَسَاءِ مَا لَا يَظْهَرُ الصَّوَابُ فِيهِ بَعْدَ التَّجَارِبِ إِلَّا لِلْأَفْرَادِ مِنَ الْحُكَمَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ، وَمِنْهُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَبْحَثُ فِيهَا.
وَضَعَ رُؤَسَاءُ النَّصْرَانِيَّةُ قَوَانِينَ لِتَرْبِيَةِ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ تَرْبِيَةً شَدِيدَةً، يُؤْخَذُونَ فِيهَا بِالنِّظَامِ وَالطَّاعَةِ الْعَمْيَاءِ لِيَكُونُوا جُنْدًا رُوحِيًّا لِرُؤَسَائِهِمْ، يَتَحَرَّكُونَ بِإِرَادَتِهِمْ لَا بِإِرَادَةِ أَنْفُسِهِمْ وَيَتَوَجَّهُونَ حَيْثُمَا يُوَجِّهُونَهُمْ، وَيُنَفِّذُونَ كُلَّ مَا بِهِ يَأْمُرُونَهُمْ، فَاسْتَوْلَى أُولَئِكَ الرُّؤَسَاءُ بِهَذَا النِّظَامِ عَلَى أَبْنَاءِ دِينِهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ إِلَى الصَّعَالِيكِ وَسَخَّرُوهُمْ لِإِرَادَتِهِمْ قُرُونًا كَثِيرَةً، وَفَعَلَ الْمُلُوكُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي سُلْطَتِهِمُ الْجَسَدِيَّةِ فَاسْتَعْبَدُوا النَّاسَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَكَانُوا سَبَبَ ضَعْفِ أُمَمِهِمْ وَانْحِطَاطِهَا إِلَى أَنْ حَرَّرُوا أَنْفُسَهُمْ.
ثُمَّ زَلْزَلَتِ الِانْقِلَابَاتُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ السُّلْطَتَيْنِ وَأَضْعَفَتْهُمَا بِمَا اسْتَفَادَ الْأُورُبِّيُّونَ مِنَ الْعِلْمِ وَاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ وَالْإِرَادَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحُرُوبِهِمُ الصَّلِيبِيَّةِ، وَبِمَا بَثَّهُ فِيهِمْ تَلَامِيذُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حُكَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَضَعُفَتِ السُّلْطَتَانِ وَنَازَعَتْهُمَا قُوَّةُ الْعِلْمِ فَنَزَعَتْ مِنْهُمَا مَا نَزَعَتْ، فَلَمَّا رَأَى الْفَرِيقَانِ أَنَّهُ لَا قِبَلَ لَهُمَا بِالْعِلْمِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِهِ، تَوَجَّهَتْ هِمَّتُهُمَا إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى تَقْرِيرِ سُلْطَانِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَكَانَتِ الْمَدَارِسُ عَوْنًا لِلْأَدْيَارِ وَلِلثُّكْنَاتِ فِي إِضْعَافِ إِرَادَةِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، وَإِفْسَادِ بَأْسِهِمْ وَالتَّصَرُّفِ فِي حُرِّيَّتِهِمْ، وَهَذَا كَانَ فِي بَعْضِ الشُّعُوبِ أَقْوَى مِنْهُ فِي بَعْضٍ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْحُكَمَاءُ الَّذِينَ فَطِنُوا لَهُ بَعْدُ ; وَلِذَلِكَ كَانَتْ قُوَّةُ الْمَدَنِيَّةِ الْإِفْرِنْجِيَّةِ الْحَاضِرَةِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ الشَّخْصِيِّ وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ، وَيَنْشُدُونَ مَرْتَبَةَ الْكَمَالِ مِنْهُ، وَضَعُفْنَا بِفَقْدِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كُنَّا نَحْنُ السَّابِقِينَ إِلَيْهِ.
الْإِنْكِلِيزُ أَعْرَقُ الشُّعُوبِ الْأُورُبِّيَّةِ فِي الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ وَاسْتِقْلَالِ الْإِرَادَةِ، عَلَى تَثَبُّتِهِمْ فِي تَقَالِيدِهِمْ وَبُطْئِهِمْ فِي التَّحَوُّلِ عَنِ الْأَمْرِ يَكُونُونَ عَلَيْهِ، وَلِحُرِّيَّتِهِمْ وَاسْتِقْلَالِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ اسْتِفَادَةً مِنَ الْإِصْلَاحِ الدِّينِيِّ الَّذِي زَلْزَلَ سُلْطَةَ الْبَابَوِيَّةِ مِنْ بَعْضِ الْبِلَادِ وَثَلَّ عَرْشَهَا مِنْ بَعْضٍ، وَحُكُومَةُ هَذَا الشَّعْبِ هِيَ الْحُكُومَةُ الْفَذَّةُ الَّتِي جَعَلَتْ خِدْمَةَ الْجُنْدِيَّةِ اخْتِيَارِيَّةً، وَأَقَامَتِ التَّرْبِيَةَ فِي الْمَدَارِسِ عَلَى قَوَاعِدَ مِنَ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَالِاسْتِقْلَالِ، وَكَرَامَةِ النَّفْسِ، لَمْ يُقِمْهَا أَحَدٌ مِثْلَهَا، وَلِذَلِكَ اسْتَوْلَتْ عَلَى زُهَاءِ خُمْسِ الْبَشَرِ الْأَذِلَّاءِ بِضَعْفِ الِاسْتِقْلَالِ وَفَقْدِ الْحُرِّيَّةِ، عَلَى كَوْنِ جُنْدِهَا أَقَلَّ مِنْ جُنْدِ
غَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ الْكُبْرَى، وَقَدْ فَطِنَ لِذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست