responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 207
الْإِيمَانِ وَالْجُبَنَاءِ وَهُمُ الْأَقَلُّ، فَالْمُنَافِقُونَ يَرْغَبُونَ عَنِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ بَقَاءَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَيُدَافِعُوا عَنْهُ وَيَحْمُوا بَيْضَتِهِ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ يُبْطِئُونَ عَنِ الْقِتَالِ وَيُبْطِئُونَ غَيْرَهُمْ عَنِ النَّفْرِ إِلَيْهِ، وَالْآخَرُونَ يُبْطِئُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، وَالتَّبَطُّؤُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبْطَاءِ وَعَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْبُطْءِ مَعًا، وَالْبُطْءُ التَّأَخُّرُ عَنِ الِانْبِعَاثِ فِي السَّيْرِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ: أَيْ: يُبْطِئُ هُوَ عَنِ السَّيْرِ إِبْطَاءً لِضَعْفٍ فِي إِيمَانِهِ، وَالْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ التَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ وَتِكْرَارِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ عَلَى الْبُطْءِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ مُؤْمِنٍ، وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ: " بَطَّأَ " بِالتَّشْدِيدِ (لَازِمٌ) بِمَعْنَى أَبْطَأَ وَقَدْ شَرَحَ اللهُ حَالَ هَذَا الْقِسْمِ مِنَ الضُّعَفَاءِ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَإِزْعَاجًا إِلَى تَطْهِيرِ نُفُوسِهِمْ وَتَزْكِيَتِهَا فَقَالَ:
فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا فَشُكْرُهُ لِلَّهِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِهِ لِتِلْكَ الْحَرْبِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ كَالظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا أَيْ لَيَقُولَنَّ قَوْلَ مَنْ لَيْسَ مِنْكُمْ، وَلَا جَمَعَتْهُ مَوَدَّةٌ بِكُمْ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ بِذَلِكَ الْفَضْلِ فَوْزَهُمْ، فَهُوَ قَدْ نَسِيَ أَنَّهُ كَانَ أَخًا لَكُمْ، وَكَانَ
مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَكُمْ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَّا ضَعْفُ إِيمَانِهِ، ثُمَّ إِنَّ تَمَنِّيَهُ بَعْدَ الظَّفَرِ أَوِ الْغَنِيمَةِ لَوْ كَانَ مَعَكُمْ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ عَقْلِهِ وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ تُشِيرُ إِلَيْهِمُ الْآيَةُ التَّالِيَةُ.
هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمُفَسِّرِينَ، رَجَّحُوهُ بِكَوْنِ الْخِطَابِ لِلَّذِينِ آمَنُوا ثُمَّ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْكُمْ وَلَمْ يَقُلْ: " فِيكُمْ "، وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكَمَ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (9: 38) .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُبْطِئِينَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا لَهُمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مَهْمَا كَانَ ضَعِيفَ الْإِيمَانِ لَا يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ مُصِيبَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَعُدُّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا، بَلْ يَسْتَحِي مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَلُومُ نَفْسَهُ إِنْ أَطَاعَتْ دَاعِيَ الْجُبْنِ وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ شَدِيدَ الشَّرَهِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْفَوْزِ وَالْغَنِيمَةِ، فَالْآيَةُ فِي الْمُنَافِقِينَ سَوَاءٌ كَانَ التَّبَطُّؤُ فِيهَا لَازِمًا بِمَعْنَى الْإِبْطَاءِ أَوْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى حَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسْنَدَ اللهُ - تَعَالَى - كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَالظَّاهِرُ هُنَا مَعْنَى الْإِبْطَاءِ عَنِ الْخُرُوجِ ; إِذْ لَوْ بَطَّأَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ هُوَ لَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْحَرْبَ فَلَا مَعْنَى لِسُرُورِهِ إِذَا أُصِيبُوا، وَلَا لِتَمَنِّيهِ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ إِذَا ظَفِرُوا، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ أَبْطَأَ يُبْطِئُ غَيْرُهُ بِإِبْطَائِهِ إِذْ يَكُونُ قُدْوَةً رَدِيئَةً لِمِثْلِهِ مِنْ مُنَافِقٍ أَوْ جَبَانٍ، وَيُبْطِئُهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست