responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 186
بِبَيَانِ نِفَاقِهِمْ، وَإِغْرَاءِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِعِقَابِهِمْ، وَفِي الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ مِنْهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى الْجِهَادِ، ثُمَّ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ وَسُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّوَسُّعِ الَّذِي يَضِيعُ مَعَهُ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْآيَةِ وَهُوَ:
فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَوْ حَالُهُمْ وَحَالُ أَمْثَالِهِمْ؟ أَوْ كَيْفَ يَكُونُ الشَّأْنُ فِي أَمْرِهِمْ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ! أَيْ مَا عَمِلُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ بِبَاعِثِ النِّفَاقِ الظَّاهِرِ، وَالْخُبْثِ الْبَاطِنِ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارٌ سَيِّئَةٌ، وَتَكُونُ لَهَا عَوَاقِبُ ضَارَّةٌ لَا يُمْكِنُ كِتْمَانُهَا، وَلَا يَسْتَغْنِي صَاحِبُهَا عَنِ الِاسْتِعَانَةِ فِيهَا بِقَوْمِهِ وَأَوْلِيَاءِ أَمْرِهِ، فَالْآيَةُ تُنْذِرُ جَمِيعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ بِأَعْمَالِ النِّفَاقِ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا بَعْضُ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَفْضَحُ أَمْرَهُمْ وَتَضْطَرُّهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى النَّبِيِّ وَالِاعْتِذَارِ لَهُ وَالْحَلِفِ عَلَى ذَلِكَ لِيُصَدِّقَهُ، فَإِنَّهُمْ يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ كَيْفَ تُعَامِلُهُمْ فِي هَذِهِ الشِّدَّةِ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْدَ عِلْمِكَ بِمَا كَانَ مِنْ صُدُودِهِمْ عَنْكَ فِي وَقْتِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْكَ، هَلْ تَعْطِفُ عَلَيْهِمْ وَتَقْبَلُ قَوْلَهُمْ إِذَا أَصَابَتْهُمُ الْمُصِيبَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا بِارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا؟ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، أَيْ: يُخَادِعُونَكَ بِالْحَلِفِ بِاللهِ إِنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِمَا عَمِلُوا مِنَ الصُّدُودِ أَوْ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا الْمُصِيبَةُ إِلَّا إِحْسَانًا فِي الْمُعَامَلَةِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَصْمِهِمْ بِالصُّلْحِ أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْخَصْمَيْنِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِمُرِّ الْحَقِّ لَا تُرَاعِي فِيهِ أَحَدًا، فَلَمْ نَرَ ضَرَرًا فِي اسْتِمَالَةِ خُصُومِنَا بِقَبُولِ حُكْمِ طَوَاغِيتِهِمْ، وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَنْفَعَتِنَا وَمَنْفَعَتِهِمْ.
سَأَلَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ كَيْفَ تَكُونُ الْمُعَامَلَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَمْهِيدًا لِبَيَانِ مَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْحِقْدِ وَالْكَيْدِ تَرَبُّصَ الدَّوَائِرِ بِالْمُؤْمِنِينَ لِيُظْهِرُوا عَدَاوَتَهُمْ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَالْعِبَارَةُ تَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ الْأَمْرِ أَيْ فَظَاعَتِهِ وَكِبَرِهِ، وَلَا يَزَالُ مِثْلُهَا مُسْتَعْمَلًا فِيمَا يَعْظُمُ شَأْنُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَمَسَرَّةٍ وَحُزْنٍ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِمَنْ يُحِبُّهُ وَيَحْفَظُ وُدَّهُ: اللهُ يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي لَكَ، أَيْ:
وَيَقُولُ فِي الْعَدُوِّ الْمَاكِرِ الْمُخَادِعِ: اللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَبِيرٌ جِدًّا لَا يَعْرِفُهُ كَمَا هُوَ إِلَّا اللهُ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَيِ: اصْرِفْ وَجْهَكَ عَنْهُمْ وَلَا تُقْبِلْ عَلَيْهِمْ بِالْبَشَاشَةِ وَالتَّكْرِيمِ وَعِظْهُمْ بِبَيَانِ سُوءِ حَالِهِمْ لَهُمْ إِذَا هُمْ أَصَرُّوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا يَبْلُغُ مِنْ نُفُوسِهِمُ الْأَثَرَ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تُحْدِثَهُ فِيهَا.
أَقُولُ: أَمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ فَهُوَ يُحْدِثُ فِي نُفُوسِهِمُ الْهَوَاجِسَ وَالْخَوْفَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَسْبَابِ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلَا جَازِمِينَ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِ الْوَحْيِ ; وَلِذَلِكَ كَانُوا يَحْذَرُونَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست