responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 182
أَقُولُ: وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ اسْتِفْهَامُ تَعْجِيبٍ مِنْ أَمْرِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَيَأْتُونَ بِمَا يُنَافِي الْإِيمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ وَأَحْوَالُ الْأُمَمِ تَكُونُ مُتَشَابِهَةً؛ لِأَنَّهَا مَظْهَرُ أَطْوَارِ الْبَشَرِ، فَالْإِيمَانُ الصَّحِيحُ بِكُتُبِ اللهِ وَرُسُلِهِ يَقْتَضِي الِاتِّبَاعَ وَالْعَمَلَ بِمَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ تِلْكَ الرُّسُلِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ رَاسِخٍ فِي نَفْسِ مُدَّعِيهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ بِضِدِّ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى؟ هَكَذَا كَانَ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ جَمِيعُ الْيَهُودِ حَتَّى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَيَأْكُلُونَ السُّحْتَ وَيُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَهَكَذَا كَانَ فِي مُسْلِمِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مَنْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أَنْزِلُ إِلَى الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَرْغَبُونَ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَيْهِ إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَهَكَذَا شَأْنُ النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ لَا يَكُونُونَ كُلُّهُمْ عُدُولًا صَادِقِينَ فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَلَا يَكُونُونَ كُلُّهُمْ مُنَافِقِينَ أَوْ فَاسِقِينَ فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كُلَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَأَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانُوا عُدُولًا، وَالْقُرْآنُ يَصِفُ بَعْضَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَيُسَجِّلُ عَلَى بَعْضِهِمُ النِّفَاقَ.
وَالزَّعْمُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْقَوْلُ وَالدَّعْوَى، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ حَقًّا أَمْ بَاطِلًا، قَالَ أُمُيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي شِعْرٍ لَهُ:
سَيُنْجِزُكُمْ رَبُّكُمْ مَا زَعَمَ
، يُرِيدُ مَا وَعَدَ، وَأَرَى أَنَّ الْقَافِيَةَ اضْطَرَّتْهُ إِلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا الْحَرْفِ هُنَا، وَمَا هُوَ بِمَكِينٍ، وَوَعْدُهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا، وَقَالَ اللَّيْثُ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ إِذَا قِيلَ: ذَكَرَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يُسْتَيْقَنُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَإِذَا شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَدِرْهُ لَعَلَّهُ كَذِبٌ أَوْ بَاطِلٌ، قِيلَ: زَعَمَ فُلَانٌ كَذَا، وَقِيلَ: الزَّعْمُ الظَّنُّ، وَقِيلَ: الْكَذِبُ، وَكُلُّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ بِنَظَرِ الْقَائِلِ إِلَى بَعْضِ كَلَامِ الْعَرَبِ دُونَ بَعْضٍ، وَالَّذِي يَنْظُرُ فِي مَجْمُوعِ اسْتِعْمَالَاتِهَا لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ يَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِيمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الزَّعْمُ حِكَايَةُ قَوْلٍ يَكُونُ مَظَنَّةً لِلْكَذِبِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَمُّ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَأَشَارَ إِلَى بَعْضِ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَزِيدُ عَلَيْهِ فِي بَيَانِهَا، قَالَ تَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ (64: 7) ، وَقَالَ: وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، وَضَلَّ عَنْكُمْ
مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (6: 94) ، وَقَالَ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ، فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (17: 56) ، وَقَالَ: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (18: 52) ، وَبَقِيَ آيَاتٌ أُخْرَى مُسْتَعْمَلَةً هَذَا الِاسْتِعْمَالَ، فَلُغَةُ الْقُرْآنِ أَنَّ الزَّعْمَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الزَّاعِمِينَ وَلَا يُقِرُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ.
وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ أَيْ: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست