responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 179
وَأَيْضًا الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أَرْشَدُوا غَيْرَهُمْ إِلَى تَرْكِ تَقْلِيدِهِمْ، وَنَهَوْهُمْ عَنْ ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَطَاعَتُهُمْ تَرْكُ تَقْلِيدِهِمْ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ فِي الْعُلَمَاءِ مَنْ يُرْشِدُ النَّاسَ إِلَى التَّقْلِيدِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ لَكَانَ يُرْشِدُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا طَاعَةَ لَهُ بِنَصِّ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى وَفْقِ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يُرْشِدُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَرْشَدَ هَؤُلَاءِ الْعَامَّةَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الْحُجَجَ، وَلَا يَعْرِفُونَ الصَّوَابَ مِنَ الْخَطَأِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّقْلِيدِ كَانَ هَذَا الْإِرْشَادُ مِنْهُ مُسْتَلْزِمًا لِإِرْشَادِهِمْ إِلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَهُمْ، فَمَا عَمِلُوا بِهِ عَمِلُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لَمْ يَعْمَلُوا، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى كِتَابٍ وَسُنَّةٍ، بَلْ مِنْ شَرْطِ التَّقْلِيدِ الَّذِي أُصِيبُوا بِهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ إِمَامِهِ رَأْيَهُ وَلَا يُعَوِّلَ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَلَا يَسْأَلَهُ عَنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَإِنْ سَأَلَهُ عَنْهُمَا خَرَجَ عَنِ التَّقْلِيدِ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُطَالَبًا بِالْحُجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَالْأَمْرُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدَةِ الَّذِينَ يَضَعُونَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ أَعْظَمُ مِمَّا قَالَ، وَالْجَمَاهِيرُ مُتَّبِعَةٌ لَهُمْ مَعَ نَقْلِهِمُ الْإِجْمَاعَ الَّذِي لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّ الْمُقَلِّدَ جَاهِلٌ لَا رَأْيَ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ بِكَلَامِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَهَافُتَهُمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ـ مَرَاتِبُ الطَّاعَاتِ الثَّلَاثُ فِي الْآيَةِ وَنُكْتَةُ تَكْرَارِ لَفْظَةِ الطَّاعَةِ:
قَدْ رَأَى الْقَارِئُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي نُكْتَةِ تَكْرَارِ لَفْظِ أَطِيعُوا فِي جَانِبِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دُونَ أُولِي الْأَمْرِ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ النُّكْتَةُ ظَاهِرَةً عِنْدِي، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَالرَّسُولِ مَعَ تَكْرَارِ لَفْظِ الطَّاعَةِ وَعَدَمِهِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا عَسِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ فَرْقٌ بَيْنَ التَّعْبِيرَيْنِ فَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِعَادَةَ كَلِمَةِ أَطِيعُوا تَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الطَّاعَتَيْنِ، كَأَنْ تُجْعَلَ الْأُولَى طَاعَةَ مَا نَزَّلَ اللهُ مِنَ
الْقُرْآنِ، وَالثَّانِيَةُ طَاعَةَ الرَّسُولِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ هَذَا الْفَهْمَ مَا وَرَدَ مِنَ الْحُكْمِ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْقَضِيَّةِ يُنْظَرُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَيَقْضِي بِمَا فِيهَا، وَهَذَا مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُعَاذًا حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَقُضَاتُهُمْ وَعُمَّالُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَعَبَّرْنَا عَنْهَا بِالْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ، وَعَطَفَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ بِدُونِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ أَطِيعُوا لِأَنَّهُمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، أَيْ: إِنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِي اجْتِهَادِهِمْ بَدَلٌ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي اجْتِهَادِهِ وَحَالَّةٌ مَحَلَّهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ كَعِصْمَتِهِ، بَلْ لِأَنَّ الْمُصْلَحَةَ وَارْتِقَاءَ الْأُمَّةِ وَسَلَامَتَهَا مِنَ الِاسْتِبْدَادِ لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا أَعَدْنَاهُ لِنُذَكِّرَ النَّاسَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأُصُولِيِّينَ لَمْ يَقُولُوا بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي اجْتِهَادِهِمْ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ شَيْئًا مِمَّا عَاتَبَهُمْ فِيهِ عَلَى بَعْضِ اجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكُونُ لِخَلَفِهِمْ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لَهُمْ؟

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست