responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 177
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: الِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ:
اسْتَدَلَّ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْآيَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهَا غَيْرُهُمْ عَلَى إِثْبَاتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ هَؤُلَاءِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بَرَدِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ، أَيْ: إِلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مَشْرُوعًا لَقَالَ: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَقِيسُوهُ عَلَى أَشْبَاهِهِ أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا أُصُولِيًّا فِي إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ كَمَا قَالَ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا فِي مَنْعِهِ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ، أَمَّا كَوْنُهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ، فَلِمَا بَيَّنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّنَازُعِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ قَبْلَ عِلْمِ الْمُتَنَازِعِينَ بِهِ، فَإِذَا تَحَرَّوْا رَدَّ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِغَيْرِ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا
لَيْسَتْ نَصًّا عَلَى مَنْعِهِ فَلِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ إِذَا حُمِلَ عَلَى مُمَاثِلِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ مَعَ عِلَّتِهَا بِالنَّصِّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى ذَلِكَ النَّصِّ.
نَعَمْ، إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ عَلَى أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ ـ وَإِنْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ ـ كَمَا نَرَاهُ كَثِيرًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، يَقُولُونَ: هَذَا جَائِزٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ وَاجِبٌ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ كَذَا، وَمِثْلُهُ الْقِيَاسُ بِالْعِلَلِ الْمُنْتَزَعَةِ عَنْ بُعْدٍ بِالتَّمَحُّلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي النَّصِّ مَا يَنْفِيهِ وَلَا يُوجَدُ مَا يُثْبِتُهُ، وَمِنْهُ قِيَاسُ الدَّمِ عَلَى الْبَوْلِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا قِيَاسًا صَحِيحًا لَمَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ النُّصُوصُ لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ فِيهِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الدِّمَاءَ كَانَتْ تَسِيلُ كَثِيرًا مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَجْسَادِ الطَّاهِرَةِ؛ دِفَاعًا عَنِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَإِعْلَاءً لِكَلِمَةِ الْحَقِّ، وَفِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقِيَاسِ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَقَدْ قَاسَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَتَبِعَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ.
وَلَا يُعَارِضُ ثُبُوتَ الْقِيَاسِ الْعَمَلُ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْقِيَاسَ فِي الدِّينِ بَاطِلٌ بِنَصِّ الْأَحَادِيثِ وَالْقُرْآنِ، أَمَّا الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ، وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: ذَرُونِي مَا تَرَكَتْكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَحَدِيثُ: إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدِّينَ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ نَصِّ الشَّارِعِ، وَأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَلَّا تَكُونَ تَكَالِيفُهَا كَثِيرَةً، فَتَكْثِيرُهَا بِقِيَاسِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ مُخَالِفٌ لِمَا أَرَادَهُ اللهُ فِيهَا مِنَ الْيُسْرِ، وَلِنُصُوصِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ عُمُومِ الْقُرْآنِ ; إِذِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا كَانَ إِلَّا مُبَيِّنًا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 177
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست