responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 169
مُتَفَرِّقَةً فِي مَرَاعِيهَا فَجَمَعُوهَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لَهُمْ، ثُمَّ طَرَدُوهَا وَسَاقُوهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ قِيلَ: أَجْمَعُوهَا. . . وَالْإِجْمَاعُ أَنْ تَجْمَعَ الشَّيْءَ الْمُتَفَرِّقِ جَمِيعًا، فَإِذَا جَعَلْتَهُ جَمِيعًا بَقِيَ جَمِيعًا، وَلَمْ يَكَدْ يَتَفَرَّقُ كَالرَّأْيِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ الْمَمْضِيِّ، وَأَجْمَعَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ إِذَا سَالَ رَغَابُهَا وَجِهَادُهَا كُلُّهَا، وَفَلَاةٌ مُجَمَّعَةٌ وَمُجَمِّعَةٌ (بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ) يَجْتَمِعُ فِيهَا الْقَوْمُ، وَلَا يَتَفَرَّقُونَ
خَوْفَ الضَّلَالِ وَنَحْوَهُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَجْمَعُهُمُ، انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا: أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي اللُّغَةِ لَيْسَ هُوَ اتِّفَاقَ النَّاسِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَلَى أَمْرٍ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ إِحْكَامُ الْأَمْرِ الْمُتَفَرِّقِ وَعَزْمُهُ لِئَلَّا يَتَفَرَّقَ، وَيَكُونُ مِنَ الْوَاحِدِ وَأَكْثَرَ مِنَ الْوَاحِدِ وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَقُومَ بِهِ كُلُّ أَهْلِ الشَّأْنِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُبْرِمَهُ مَنْ يَمْتَنِعُ التَّفَرُّقُ بِإِبْرَامِهِمْ لَهُ، فَرُجُوعُ عَمَرَ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ عَنِ الْوَبَاءِ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ اللُّغَوِيِّ دُونَ الْأُصُولِيِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ: " اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّالِحُونَ " وَفِي لَفْظٍ: " مَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ " وَمِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَمِلَ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْبِيرِ بِإِجْمَاعِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَيْ: مَا جَزَمُوا بِهِ وَعَزَمُوهُ بِالْعَمَلِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ إِجْمَاعِ الْأُصُولِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنْ يَتَّفِقَ جَمِيعُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى أَمْرٍ مَا، وَكَانَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أُلُوفًا كَثِيرَةً لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ دَعْوَى الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ أَنْكَرَهُ غَيْرُهُ.
وَمَا زَالَ أَهْلُ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْفَهْمِ يَبْحَثُونَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ زُرْتُ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَلْفَيْتُ عِنْدَهُ أَحْمَدَ فَتْحِي بَاشَا زُغْلُول الْعَالِمَ الْقَانُونِيَّ وَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ فِي الْإِجْمَاعِ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ، وَأَنْ يُعْلَمَ بِهِ مَعَ عَدَمِ حَصْرِ أَهْلِهِ وَلَا تَعَارُفِهِمْ؟ وَرَأَيْتُ الْأُسْتَاذَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَافَقَهُ عَلَى اسْتِنْكَارِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ فِي الْإِجْمَاعِ هُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْعُلَمَاءُ النَّابِغُونَ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ وَيَتَذَاكَرُوا فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَيَكُونُ مَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَجْمَعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْعَقِدَ إِجْمَاعٌ آخَرُ مِنْهُمْ، أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا حَسَنٌ لَوْ كَانَ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِمْ بَعْضُهُمْ وَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، فَيَحْصُلُ الْمُرَادُ بِمَنْ يُمَثِّلُهَا وَهُمْ أُولُو الْأَمْرِ بِمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِرَارًا وَلَا بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ، وَلِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ، بَلْ وَمَا أَجْمَعُوا هُمْ عَلَيْهِ إِذَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّ وُجُوبَ طَاعَتِهِمْ لِأَجْلِ الْمُصْلِحَةِ، لَا لِأَجْلِ الْعِصْمَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 169
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست