responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 158
وَقَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ عِنْدَ الْكُتُبِ الَّتِي أَلَّفَهَا الْمُقَلَّدُونَ فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى وَمَا بَعْدَهَا، وَلَكِنَّ الزَّمَانَ مَا وَقَفَ حَتَّى صَارَ حُكَّامُهُمْ فَرِيقَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَارَ النَّاسُ يَنْسُبُونَ كُلَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ وَالْجَهْلِ وَالْفَقْرِ إِلَى دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ، وَسَرَى هَذَا الِاعْتِقَادُ إِلَى الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَ أُورُبَّا وَقَوَانِينَهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ مَرَقَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَفَضَّلَ تِلْكَ الْقَوَانِينَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، اعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هِيَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ شَيْئًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهَذَا الْفِقْهِ فِي السِّيَاسَةِ وَأَحْكَامِ الْعُقُوبَاتِ، وَأَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ الْمَدَنِيَّةِ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا الْقَوَانِينَ الْأُورُبِّيَّةَ، فَصَارَتْ حُكُومَتُهُمْ أَمْثَلَ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ حُجَّةُ أَهْلِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الشَّرِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَظَنُّوا أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ نَفْسِهَا، وَقَامَ طُلَّابُ إِصْلَاحِ الْحُكُومَةِ فِي الدَّوْلَتَيْنِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَالْإِيرَانِيَّةِ مِنَ الْمُتَفَرْنِجِينَ يَطْلُبُونَ تَقْلِيدَ الْإِفْرِنْجِ فِي إِصْلَاحِ قَوَانِينِ حُكُومَتَيْهِمَا ; لِأَنَّهُمْ جَاهِلُونَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ مِنْ أُصُولِ حُكُومَةِ الشُّورَى وَتَفْوِيضِهَا إِلَى أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ تَثِقُ بِهِمُ الْأُمَّةُ وَتُعَوِّلُ عَلَى رَأْيِهِمْ.
إِذَا كَانَ فُقَهَاؤُهُمْ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَقُولُ فِينَا أَهْلُ الْعَصْرِ لِأَجْلِهِمْ وَلِأَجْلِ بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُبَالُوا وَلَا يَرْضَوْا بِأَنْ يُنْسَبَ الْجُمُودُ إِلَى أَصْلِ الشَّرِيعَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، نَعَمْ إِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأُصُولَ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ الْآنَ وَلَا قَبْلَ الْآنِ بِقُرُونٍ مَنْ هُمْ أَهْلٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَا لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْأُمَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا دَامَ الْمُسْلِمُونَ رَاضِينَ بِهَذَا
الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَالَهُمْ لَا تَتَغَيَّرُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
ثُمَّ أَقُولُ بَعْدَ هَذَا: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ فِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ لَا يَتَجَلَّى مَعْنَاهَا تَمَامَ التَّجَلِّي وَتَتِمُّ الْفَائِدَةُ مِنْهُ إِلَّا بِهَا، فَنَأْتِي بِمَا يَفْتَحُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تَكْرَارِ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ.
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي أُولِي الْأَمْرِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ:
أُولُو الْأَمْرِ فِي كُلِّ قَوْمٍ وَكُلِّ بَلَدِ وَكُلِّ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفُونَ؛ فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَثِقُ بِهِمُ النَّاسُ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ، وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ أَوْسَعُ مَعْرِفَةً وَأَخْلَصُ فِي النَّصِيحَةِ، وَقَدْ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَكُونُونَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ، وَكَذَلِكَ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفُتُوحَاتِ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا، وَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِمْ فِي مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ (الْخَلِيفَةِ) وَفِي الشُّورَى، وَفِي السِّيَاسَةِ، وَالْإِدَارَةِ وَالْقَضَاءِ، فَأَمَّا الْبَيْعَةُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى الْبَعِيدِ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَرُؤُوسِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ مَنْ يَأْخُذُ بَيْعَتَهُمْ، وَلَمَّا لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ـ وَكَانَ لَهُ عَصَبَةٌ قَوِيَّةٌ ـ قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ النَّاسِ: إِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي حَرْبِهِ وَقَدْ كَانَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست