responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 156
يَخْتَصُّ بِأَمْرِ الدِّينِ فَهُوَ الَّذِي لَا يُعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِ أُولِي الْأَمْرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُمْ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْأُمَّةِ أَنْ تُقِيمَ مَنْ يَحْكُمُ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أُولُو الْأَمْرِ بِرَدِّهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأْتِي هُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ.
وَالتَّنَازُعُ مِنَ النَّزْعِ وَهُوَ الْجَذْبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ يَجْذِبُ الْآخَرَ إِلَى رَأْيِهِ،
أَوْ يَجْذِبُ حُجَّتَهُ مِنْ يَدِهِ وَيُلْقِي بِهَا، وَالْمَسَائِلُ الدِّينِيَّةُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَفَرُّقٌ وَلَا خِلَافٌ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (42: 13) ، لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا بِالنَّصِّ لَا بِالرَّأْيِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: آيَةُ الِاسْتِنْبَاطِ الْآتِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (4: 83) ، فَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَنْظُرُ فِيهِ أُولُو الْأَمْرِ هُوَ الْمَسَائِلُ الْعَامَّةُ كَمَسَائِلِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَأَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ اسْتِنْبَاطِهِ وَإِقْنَاعِ الْآخَرِينَ بِهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْفِي أَنْ يَكُونَ أُولُو الْأَمْرِ هُمُ الْمُلُوكَ وَالْأُمَرَاءَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الرَّسُولِ مُلُوكٌ وَلَا أُمَرَاءُ، وَأَنْ يَكُونُوا هُمُ الْعَارِفِينَ بِأَحْكَامِ الْفَتْوَى فَقَطْ ; لِأَنَّ مَسَائِلَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْأُمَّةِ فِي زَمَنِ الْحَرْبِ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرَّأْيِ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ مَعْرِفَةُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ وَلَا الِاجْتِهَادُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَقُولُهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إِلَخْ، أَوْ رُدُّوا الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ بِعَرْضِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ إِلَخْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُؤْثِرُ عَلَى حُكْمِ اللهِ شَيْئًا، وَالْمُؤْمِنُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يَهْتَمُّ بِجَزَاءِ الْآخِرَةِ أَشَدَّ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِحُظُوظِ الدُّنْيَا، فَلَوْ كَانَ لَهُ هَوًى فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ لِحُكْمِ اللهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَمَثُوبَتِهِ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ أَوْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُؤْثِرُ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَهْوَائِهِ وَحُظُوظِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مَسَائِلِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فِيهِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِيمَانًا يُعْتَدُّ بِهِ.
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا هَذَا بَيَانٌ لِفَائِدَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَوْ هَذَا الرَّدِّ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ بَيَانِ فَائِدَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا هُوَ اللَّائِقُ بِدِينِ الْفِطْرَةِ الْجَامِعِ بَيْنَ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي شَرَّعْنَاهُ لَكُمْ فِي تَأْسِيسِ حُكُومَتِكُمْ، وَإِصْلَاحِ أَمْرِكُمْ، أَوْ ذَلِكَ الرَّدُّ لِلشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ أَقْوَى أَسَاسٍ لِحُكُومَتِكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فَلَمْ يَشْرَعْ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ
مِنَ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ إِلَّا مَا هُوَ قِيَامٌ لِمَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَهُوَ عَلَى كَوْنِهِ خَيْرًا فِي نَفْسِهِ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا أَيْ مَآلًا وَعَاقِبَةً ; لِأَنَّهُ يَقْطَعُ عِرْقَ التَّنَازُعِ وَيَسُدُّ ذَرَائِعَ الْفِتَنِ وَالْمَفَاسِدِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست