responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 134
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُضْجَ الْجُلُودِ مِنَ الْعَذَابِ ـ إِنْ كَانَ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا ـ يَكُونُ هُوَ أَثَرُ لَفْحِ النَّارِ بِسَمُومِهَا لِأَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (23: 104) ، وَمَتَى لُفِحَ الْجِلْدُ مِرَارًا يَبْطُلُ إِحْسَاسُهُ وَيَنْفَصِلُ عَنِ الْبَشَرَةِ وَيَتَرَبَّى تَحْتَ جِلْدٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ تَكَلَّمَ الْأُسْتَاذُ عَنِ اسْتِشْكَالِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِتَعْذِيبِ الْجُلُودِ الْجَدِيدَةِ مَعَ أَنَّ الْعِصْيَانَ لَمْ يَكُنْ بِهَا، وَلَمْ أَكْتُبْ مَا قَالَهُ وَلَا أَتَذَكَّرُهُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْجَوَابِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْبَدَلَ يَكُونُ عَيْنَ الْأَصْلِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مَادَّتِهِ، وَغَيْرَهُ فِي صُورَتِهِ، وَهَذِهِ سَفْسَطَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَ الرَّازِيُّ بَعْدَ هَذَا الْجَوَابِ جَوَابًا ثَانِيًا: وَهُوَ أَنَّ الْمُعَذَّبَ هُوَ الْإِنْسَانُ وَذَلِكَ الْجِلْدُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْ مَاهِيَّتِهِ بَلْ هُوَ كَالشَّيْءِ الزَّائِدِ الْمُلْتَصِقِ بِهِ، وَثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُلُودِ السَّرَابِيلُ، قَالَ: وَطَعَنَ فِيهِ الْقَاضِي بِمُخَالَفَتِهِ لِلظَّاهِرِ، وَرَابِعًا: هُوَ أَنَّ هَذَا اسْتِعَارَةٌ عَنِ الدَّوَامِ وَعَدَمِ الِانْقِطَاعِ، قَالَ: كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُرَادُ وَصْفُهُ بِالدَّوَامِ: كُلَّمَا انْتَهَى فَقَدِ ابْتَدَأَ، وَكُلَّمَا انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ فَقَدِ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا يَعْنِي كُلَّمَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَضِجُوا وَاحْتَرَقُوا وَانْتَهَوْا إِلَى الْهَلَاكِ أَعْطَيْنَاهُمْ قُوَّةً جَدِيدَةً مِنَ الْحَيَاةِ بِحَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهُمُ الْآنَ حَدَثُوا وَوُجِدُوا، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ دَوَامَ الْعَذَابِ وَعَدَمَ انْقِطَاعِهِ، انْتَهَى تَصْوِيرُهُ لِهَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُوَافِقُ مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْعِبَارَةِ وَرَأَيْتُ أَنَّهُ صَوَّرَهَا بِمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا التَّصْوِيرِ إِلَى الْعَقْلِ وَاللَّفْظِ، وَذَكَرَ الرَّازِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ وَجْهًا خَامِسًا وَرَدَّهُ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ.
وَقَدْ رَدَّ الْأَلُوسِيُّ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مِمَّا لَا يَكَادُ يَسْأَلُهُ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْيَانَ الْجِلْدِ وَطَاعَتَهُ وَتَأَلُّمَهُ وَتَلَذُّذَهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنِ سَائِرِ الْجَمَادَاتِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَالشُّعُورِ، وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِالْآلَةِ ; فَيَدُ قَاتِلِ النَّفْسِ ظُلْمًا مَثَلًا آلَةٌ لَهُ كَالسَّيْفِ الَّذِي
قَتَلَ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِأَنَّ الْيَدَ حَامِلَةٌ لِلرُّوحِ وَالسَّيْفُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ سَبَبًا لِإِعَادَةِ الْيَدِ بِذَاتِهَا وَإِحْرَاقِهَا دُونَ إِعَادَةِ السَّيْفِ وَإِحْرَاقِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَمْلَ غَيْرُ اخْتِيَارِيٍّ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى النَّفْسِ الْحَسَّاسَةِ بِأَيِّ بَدَنٍ حَلَّتْ وَفِي أَيِّ جَسَدٍ كَانَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي النَّعِيمِ اهـ.
وَقَدْ أُيِّدَ هَذَا الرَّأْيُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي كِبَرِ أَجْسَادِ أَهْلِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: " وَلَوْلَا مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ بِحَيْثُ صَارَ إِنْكَارُهُ كُفْرًا لَمْ يَبْعُدْ عَقْلًا الْقَوْلُ بِالنَّعِيمِ وَالْعَذَابِ الرُّوحَانِيَّيْنِ فَقَطْ، وَلَمَا تَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَقْلًا عَلَى إِثْبَاتِ الْأَجْسَامِ فِعْلًا، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ هَذَا أَنِّي أَقُولُ بِاسْتِحَالَةِ إِعَادَةِ الْمَعْدُومِ مَعَاذَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنِّي أَقُولُ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى إِعَادَتِهِ وَإِنْ أَمْكَنَتْ، وَالنُّصُوصُ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَعَارِضَةٌ، فَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إِعَادَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 134
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست