responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 121
لَهَا وَيَذِلُّونَ بِدَافِعِ الشُّعُورِ بِأَنَّهَا ذَاتُ سُلْطَةٍ عُلْيَا فَوْقَ سُنَنِ الْكَوْنِ وَأَسْبَابِهِ، وَأَنَّ إِرْضَاءَهَا وَطَاعَتَهَا هُوَ عَيْنُ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ شُعْبَةٌ مِنْهَا لِذَاتِهَا، فَهَذِهِ الْخَلَّةُ الدَّنِيئَةُ هِيَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ اسْتِبْدَادِ رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِالْأَقْوَامِ وَالْأُمَمِ وَاسْتِعْبَادِهِمْ إِيَّاهُمْ وَتَصَرُّفِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ بِالْعَبْدِ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ، وَنَاهِيكَ بِمَا كَانَ لِذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ السَّافِلَةِ وَالرَّذَائِلِ الْفَاشِيَةِ مِنَ الذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَالتَّمَلُّقِ وَالْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالتَّوْحِيدُ الَّذِي يُنَاقِضُ الشِّرْكَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِعْتَاقِ الْإِنْسَانِ مِنْ رِقِّ الْعُبُودِيَّةِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ، وَكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، وَجَعْلِهِ حُرًّا كَرِيمًا عَزِيزًا لَا يَخْضَعُ خُضُوعَ عُبُودِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ إِلَّا لِمَنْ خَضَعَتْ لِسُنَنِهِ الْكَائِنَاتُ، بِمَا أَقَامَهُ فِيهَا مِنَ النِّظَامِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ، فَلِسُنَنِهِ الْحَكِيمَةِ يَخْضَعُ، وَلِشَرِيعَتِهِ الْعَادِلَةِ الْمُنَزَّلَةِ يَتْبَعُ، وَإِنَّمَا خُضُوعُهُ هَذَا خُضُوعٌ لِعَقْلِهِ وَوِجْدَانِهِ، لَا لِأَمْثَالِهِ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَأَقْرَانِهِ، وَأَمَّا طَاعَتُهُ لِلْحُكَّامِ فَهِيَ طَاعَةٌ لِلشَّرْعِ الَّذِي رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَالنِّظَامِ الَّذِي يَرَى فِيهِ مَصْلَحَتَهُ وَمَصْلَحَةَ جِنْسِهِ، لَا تَقْدِيسًا لِسُلْطَةٍ ذَاتِيَّةٍ لَهُمْ، وَلَا ذُلًّا وَاسْتِخْذَاءً لِأَشْخَاصِهِمْ، فَإِنِ اسْتَقَامُوا عَلَى الشَّرِيعَةِ أَعَانَهُمْ، وَإِنْ زَاغُوا عَنْهَا اسْتَعَانَ بِالْأُمَّةِ فَقَوَّمَهُمْ، كَمَا قَالَ الْخَلِيفَةُ الْأَوَّلُ فِي خُطْبَتِهِ الْأُولَى بَعْدَ نَصْبِ الْأُمَّةِ لَهُ وَمُبَايَعَتِهَا إِيَّاهُ: " وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي "، فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْمُوَحِّدِينَ مَعَ حُكَّامِهِمْ، وَهَكَذَا يَكُونُونَ سُعَدَاءَ فِي دُنْيَاهُمْ بِالتَّوْحِيدِ، كَمَا يَكُونُونَ أَشْقِيَاءَ بِالشِّرْكِ الْجَلِيِّ أَوِ الْخَفِيِّ.
وَأَمَّا سَعَادَةُ الْآخِرَةِ وَشَقَاؤُهَا فَهُوَ أَشَدُّ وَأَبْقَى، وَالْمَدَارُ فِيهِمَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ أَيْضًا، إِنَّ رُوحَ الْمُوَحِّدِينَ تَكُونُ رَاقِيَةً عَالِيَةً لَا تَهْبِطُ بِهَا الذُّنُوبُ الْعَارِضَةُ إِلَى الْحَضِيضِ الَّذِي تَهْوِي فِيهِ أَرْوَاحُ الْمُشْرِكِينَ، فَمَهْمَا عَمِلَ الْمُشْرِكُ مِنَ الصَّالِحَاتِ تَبْقَى رُوحُهُ سَافِلَةً مُظْلِمَةً بِالذُّلِّ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، فَلَا تَرْتَقِي بِعَمَلِهَا إِلَى الْمُسْتَوَى الَّذِي تَنْعَمُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْمُوَحِّدِينَ الْعَالِيَةُ فِي أَجْسَادِهِمُ الشَّرِيفَةِ، وَمَهْمَا أَذْنَبَ الْمُوَحِّدُونَ، فَإِنَّ ذُنُوبَهُمْ لَا تُحِيطُ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَظُلْمَتَهَا لَا تَعُمُّ قُلُوبَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَعِزِّ الْإِيمَانِ وَرِفْعَتِهِ يَغْلِبُ خَيْرُهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ، وَلَا يَطُولُ
الْأَمَدُ وَهُمْ فِي غَفْلَتِهِمْ عَنْ رَبِّهِمْ، بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (7: 201) ، يُسْرِعُونَ إِلَى التَّوْبَةِ، وَإِتْبَاعِ الْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (11: 114) ، فَإِذَا ذَهَبَ أَثَرُ السَّيِّئَةِ مِنَ النَّفْسِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْغُفْرَانَ، فَكُلُّ سَيِّئَاتِ الْمُوَحِّدِينَ قَابِلَةٌ لِلْمَغْفِرَةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ أَيْ: يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُذْنِبِينَ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 121
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست