responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 111
أَقُولُ: غَلِطَ الْمُفَسِّرَانِ كِلَاهُمَا فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّ الْكَلَامَ انْتِقَالٌ إِلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالٌ إِلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُعَاصِرِينَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَكَأَنَّهُمَا تَوَهَّمَا أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي زَمَنِهِمَا، وَمَا قَالَاهُ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى آخَرَ صَحِيحٌ وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
الْكَلَامُ انْتِقَالٌ مِنَ الْأَحْكَامِ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ إِلَى بَيَانِ حَالِ بَعْضِ الْأُمَمِ مِنْ حَيْثُ أَخْذُهُمْ بِأَحْكَامِ دِينِهِمْ وَعَدَمُهُ ; لِيُذَكِّرَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِالْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هَيْمَنَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ، فَإِذَا هُمْ قَصَّرُوا يَأْخُذُهُمْ بِالْعِقَابِ الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى تَرْكِ أَحْكَامِ دِينِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُنْتَظَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ، وَمَا قُرِنَتْ بِهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَصِّلِ إِلَى إِصْلَاحِ الْأَنْفُسِ، وَهُوَ أَثَرُهَا الْمُرَادُ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهَا فِي صُورَتِهَا وَمَعْنَاهَا، لَا فِي صُورَتِهَا فَقَطْ، وَلَكِنْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي الْأُمَمِ أَنْ يَكْتَفِيَ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الدِّينِ بِبَعْضِ الظَّوَاهِرِ وَالرُّسُومِ الدِّينِيَّةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْيَهُودِ فِي الْقَرَابِينِ وَأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي اتِّبَاعِ الدِّينِ وَالْقِيَامِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُصْلِحِ لِلنُّفُوسِ كَمَا أَرَادَ اللهُ مِنَ التَّشْرِيعِ، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَهَا رُسُومٌ ظَاهِرَةٌ كَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ: أَنَّ يُذَكِّرَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالِ بَعْضِ الْأُمَمِ الَّتِي هَذَا شَأْنُهَا، وَكَوْنُ هَذَا لَمْ يُغْنِ عَنْهَا مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَنَالُوا بِهِ مَرْضَاتَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا بِهِ أَهْلًا لِكَرَامَتِهِ وَوَعْدِهِ، فَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِيهَا أَعَمُّ، وَالرُّؤْيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ
قَلْبِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى النَّظَرِ، وَالْمَعْنَى أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، أَوَلَمْ تَنْظُرْ إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُعْطُوا نَصِيبًا أَيْ: حَظًّا وَطَائِفَةً مِنَ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ كَيْفَ حَرَّمُوا هِدَايَتَهُ وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا ضِدَّهَا فَهُمْ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ بِاخْتِيَارِهَا لِأَنْفُسِهِمْ بَدَلًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ السَّبِيلَ أَيْ: طَرِيقَ الْحَقِّ الْقَوِيمَ كَمَا ضَلُّوا، فَهُمْ يَكِيدُونَ لَكُمْ لِيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَالتَّعْبِيرُ بِالنَّصِيبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا كِتَابَهُمْ كُلَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوهُ فِي زَمَنِ إِنْزَالِهِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كَمَا حَفِظْنَا الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكْتُبُوا مِنْهُ نُسَخًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلْنَا، حَتَّى إِذَا مَا فُقِدَ بَعْضُهَا قَامَ مَقَامَهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ، بَلْ كَانَ عِنْدَ الْيَهُودِ نُسْخَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ هِيَ الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَفُقِدَتْ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [ص 129 وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنَ التَّفْسِيرِ] ، وَفِيهِ بَحْثُ تَارِيخِ كِتَابَتِهَا وَحَقِيقَةُ الْمَوْجُودِ الْآنَ مِنْهَا وَبَحْثُ كِتَابَةِ الْإِنْجِيلِ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي كُلٍّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ (5: 14) ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 111
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست