responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 306
مَحَبَّةَ كَرَائِمِ الْمَالِ فِي قَلْبِهِ تَعْلُو مَحَبَّةَ اللهِ - تَعَالَى -، وَالرَّغْبَةَ فِي ادِّخَارِهِ تَفُوقُ لَدَيْهِ الرَّغْبَةَ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِ مِنَ الرِّضَى وَالْمَثُوبَةِ، وَلَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ فَتُعَدُّوا مِنَ الْأَبْرَارِ الَّذِينَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ، حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، فَحَذَفَ ذِكْرَ الْإِيمَانِ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ أَكْبَرِ آيَاتِهِ وَأَوْضَحِ دَلَالَتِهِ، وَهِيَ إِنْفَاقُ الْمَحْبُوبَاتِ وَبَذْلُ الْمُشْتَهَيَاتِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنَ الْإِنْفَاقِ هُنَا هُوَ الْمَالُ ; لِأَنَّ شَأْنَهُ عِنْدَ النُّفُوسِ عَظِيمٌ حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَسْهِلُّ بَذْلَ رُوحِهِ لِأَجْلِ الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ أَوِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ. أَقُولُ: وَتُؤَيِّدُهُ آيَةُ (2: 177) الْآتِيَةُ عَلَى أَنَّ الْمَالَ يَعُمُّ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَتَمَوَّلُهُ النَّاسُ، وَشَرْطُ الْبِرِّ بَذْلُ بَعْضِ مَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الطَّعَامِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [76: 8] أَيْ عَلَى حُبِّهِمْ إِيَّاهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى اللهِ - تَعَالَى -، أَيْ لِأَجْلِ حُبِّهِ - تَعَالَى - وَالْمَالُ يَجْمَعُ جَمِيعَ الْمَحْبُوبَاتِ وَيُوَصِّلُ إِلَيْهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرِّ الْمُرَادِ هُنَا الَّذِي لَا يَنَالُهُ الْمَرْءُ - أَيْ يُصِيبُهُ وَيُدْرِكُهُ - إِلَّا إِذَا أَنْفَقَ مِمَّا يُحِبُّ فَقِيلَ: هُوَ بِرُّ اللهِ - تَعَالَى - وَإِحْسَانُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَكُونُ بِهِ الْإِنْسَانُ بَارًّا وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [2: 177] الْآيَةَ، وَفِيهَا وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى إِلَخْ. وَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
جَعَلَ إِيتَاءَ الْمَالِ عَلَى حُبِّهِ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الْبِرِّ، كَمَا جَعَلَ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ إِطْعَامَ الطَّعَامِ عَلَى حُبِّهِ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ، وَلَكِنَّهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا جَعَلَ الْإِنْفَاقَ مِمَّا يُحِبُّ غَايَةً لَا يَنَالُ الْبِرَّ إِلَّا بِالِانْتِهَاءِ إِلَيْهَا. وَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ مِمَّا يُحِبُّ كَانَ بَرًّا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِسَائِرِ شُعَبِ الْبِرِّ مِنَ الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ أَرْكَانِهِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالصَّبْرِ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، وَلَيْسَ مَا فُهِمَ بِصَوَابٍ، إِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ بَارًّا بِالْقِيَامِ بِهَذِهِ الْخِصَالِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى هَذِهِ الْخَصْلَةِ - الْإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِبُّ - وَمَا جَعَلَهَا غَايَةً إِلَّا وَهِيَ أَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْحُصُولِ إِلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ - تَعَالَى - وَوَهَبَهُ الْكَمَالَ.
وَهَذَا الْإِنْفَاقُ غَيْرُ الزَّكَاةِ، خِلَافًا لِمَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ قَدْ عُدَّتْ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ شُعَبِ الْبِرِّ وَأَرْكَانِهِ بَعْدَ ذِكْرِ إِيتَاءِ الْمَالِ عَلَى حُبِّهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُحِبُّ الْمُؤَدِّي، بَلْ وَرَدَ أَمْرُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا بِاتِّقَاءِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَيْنَا أَنِ اكْتَفَى مِنَّا فِي نَيْلِ الْبِرِّ بِأَنْ نُنْفِقَ مِمَّا نُحِبُّ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْنَا أَنْ نُنْفِقَ جَمِيعَ مَا نُحِبُّ.
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مَحْبُوبٌ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست