responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 291
ثُمَّ قَالَ: وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [2: 123] فَقَالَ مَرَّةً إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَمَرَّةً لَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَ " الْإِصْرُ " فِي الْأَصْلِ عَقْدُ الشَّيْءِ وَحَبْسُهُ بِقَهْرِهِ، وَالْمَأْصِرُ مَحْبِسُ السَّفِينَةِ، وَفُسِّرَ الْإِصْرُ فِي وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [7: 157] بِمَا يَحْبِسُهُمْ عَنِ الْخَيْرِ وَيُقْعِدُهُمْ عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ. وَعَلَى هَذَا قَالَ الرَّاغِبُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا: إِنَّ الْإِصْرَ هُوَ الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ الَّذِي يُثَبِّطُ نَاقَضَهُ عَنِ الثَّوَابِ
وَالْخَيْرَاتِ. وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ: هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي يَحْبِسُ صَاحِبَهُ وَيَمْنَعُهُ مِنَ التَّهَاوُنِ فِيمَا الْتَزَمَهُ وَعَاهَدَ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الشَّهَادَةِ فِي آيَةِ شَهِدَ اللهُ [3: 18] إِلَخْ.
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أَيْ إِنَّ مِنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْمِيثَاقِ أَنَّ دِينَ اللهِ وَاحِدٌ وَأَنَّ دُعَاتَهُ مُتَّفِقُونَ مُتَّحِدُونَ فَمَنْ تَوَلَّى - بَعْدَ الْمِيثَاقِ عَلَى ذَلِكَ - عَنْ هَذِهِ الْوَحْدَةِ وَاتَّخَذَ الدِّينَ آلَةً لِلتَّفْرِيقِ وَالْعُدْوَانِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالنَّبِيِّ الْمُتَأَخِّرِ الْمُصَدِّقِ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَنْصُرْهُ كَأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَجْحَدُونَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤْذُونَهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أَيِ الْخَارِجُونَ مِنْ مِيثَاقِ اللهِ النَّاقِضُونَ لِعَهْدِهِ وَلَيْسُوا مِنْ دِينِهِ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ. أَقُولُ: وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْمِيثَاقَ مَأْخُوذٌ عَلَى الْأُمَمِ.
وَلَمَّا بَيَّنَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ دِينَهُ وَاحِدٌ وَأَنَّ رُسُلَهُ مُتَّفِقُونَ فِيهِ قَالَ فِي مُنْكِرِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ دَاخِلَةٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى " غَيْرِ " عَاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَعَيَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ. وَالْمَعْنَى: أَيَتَوَلَّوْنَ عَنِ الْإِيمَانِ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ فَيَبْغُونَ غَيْرَ دِينِ اللهِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْعُقَلَاءِ قَدْ خَضَعُوا لَهُ - تَعَالَى - وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ طَائِعِينَ وَكَارِهِينَ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ إِسْلَامِ الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّكْوِينِ وَالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ لَا بِالتَّكْلِيفِ، أَيْ إِنَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ وَهُمُ الْخَاضِعُونَ الْمُنْقَادُونَ لِتَصَرُّفِهِ وَقَالَ الرَّازِيُّ: إِنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَعْنَى الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ مَا يَحِلُّ بِالْعُقَلَاءِ مِنْ تَصَارِيفِ الْأَقْدَارِ، مِنْهُ مَا يَصْحَبُهُ اخْتِيَارُهُمْ عَنْ رِضًا وَاغْتِبَاطٍ فَيَكُونُونَ خَاضِعِينَ لَهُ طَوْعًا، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَحِلُّ بِهِمْ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [17: 44] .
وَيُقَابِلُ هَذَا: أَنَّ الْإِسْلَامَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّكْلِيفِ وَالدِّينَ فَقَطْ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يُفَسِّرُ إِسْلَامَ الْكُرْهِ بِمَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ الْمُلْجِئَةِ إِلَيْهِ. كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ
مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [31: 32]

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست