responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 269
النَّزَعَاتُ الْوَثَنِيَّةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى الدِّينِ فَقَدْ دَخَلَتْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِوَاضِعِيهَا سَنَدٌ مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا يُرَوِّجُونَهَا بِأَقْيِسَةٍ بَاطِلَةٍ جَرَى عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ كَقَوْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى [39: 3] وَقَوْلِهِمْ: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ [10: 18] قُلْنَا: إِنَّ الْآيَةَ قَرَّرَتْ وَحْدَانِيَّةَ الْأُلُوهِيَّةِ وَوَحْدَانِيَّةَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَأَمَّا وَحْدَانِيَّةُ الْأُلُوهِيَّةِ فَهِيَ قَوْلُهُ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَالْإِلَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي تُولَهُ الْعُقُولُ فِي مَعْرِفَتِهِ وَتَدْعُوهُ وَتَصْمُدُ إِلَيْهِ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّ السُّلْطَةَ الْغَيْبِيَّةَ لَهُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا وَحْدَانِيَّةُ الرُّبُوبِيَّةِ فَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَالرَّبُّ: هُوَ السَّيِّدُ الْمُرَبِّي الَّذِي يُطَاعُ فِيمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّشْرِيعِ
وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ [9: 31] فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، فَقَالَ: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَيُحَرِّمُونَ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّونَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. وَسُئِلَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ الْآيَةِ؟ فَأَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: كَانَ الْيَهُودُ مُوَحِّدِينَ وَلَكِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ هُوَ مَنْبَعُ شَقَائِهِمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَهُوَ اتِّبَاعُ رُؤَسَاءِ الدِّينِ فِيمَا يُقَرِّرُونَهُ وَجَعْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْكَامِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، وَجَرَى النَّصَارَى عَلَى ذَلِكَ وَزَادُوا مَسْأَلَةَ غُفْرَانِ الْخَطَايَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَفَاقَمَ أَمْرُهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ حَتَّى ابْتَلَعَتْ بِهَا الْكَنَائِسُ أَكْثَرَ أَمْلَاكِ النَّاسِ، وَمِنَ الْغُلُوِّ فِيهَا وُلِدَتْ مَسْأَلَةُ الْبُرُوتِسْتَانْتِ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا: هَلُمَّ بِنَا نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَابَ مِنْ دُونِ اللهِ وَنَأْخُذَ الدِّينَ مِنْ كِتَابِهِ لَا نُشْرِكَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَ أَحَدٍ.
قَالَ - تَعَالَى -: فَإِنْ تَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللهِ بِاتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ وُسَطَاءَ وَشُفَعَاءَ وَاتِّخَاذِ الْأَرْبَابِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ لَهُمْ وَيُحَرِّمُونَ فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ نَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينُ لَا نَدْعُو سِوَاهُ وَلَا نَتَوَجَّهُ إِلَى غَيْرِهِ فِي طَلَبِ نَفْعٍ وَلَا دَفْعِ ضُرٍّ، وَلَا نُحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ وَلَا نُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مَا لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى الْمَعْصُومِ. أَقُولُ: يَعْنِي فِي مَسَائِلِ الدِّينِ الْبَحْتَةِ الْعِبَادَاتِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، أَمَّا الْمَسَائِلُ الدُّنْيَوِيَّةُ كَالْقَضَاءِ وَالسِّيَاسَةِ فَهِيَ مُفَوَّضَةٌ بِأَمْرِ اللهِ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَهُمْ رِجَالُ الشُّورَى مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَمَا يُقَرِّرُونَهُ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنَفِّذُوهُ وَعَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ يَقْبَلُوهُ.
فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُقَلِّدُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَخْذِ بِآرَاءِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست