responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 259
لِأَنَّ النَّصْرَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِوَصْفٍ يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُسْلُوبُ كَمَا قَدَّرْنَا فِي بَيَانِ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مُحَافَظَةً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَوْضُوعَةِ.
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِمْ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ إِلَخْ أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا أَنْزَلْتَ مِنَ الْإِنْجِيلِ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: ذَكَرَ
الِاتِّبَاعَ بَعْدَ الْإِيمَانِ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ، وَالْعِلْمُ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْعَمَلِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا وَنَاقِصًا لَا يَقِينًا وَإِيمَانًا، وَكَثِيرًا مَا يَظُنُّ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِشَيْءٍ حَتَّى إِذَا حَاوَلَ الْعَمَلَ بِهِ لَمْ يُحْسِنْهُ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا فِي دَعْوَى الْعِلْمِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَظَلُّ مُجْمَلًا مُبْهَمًا فِي النَّفْسِ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ صَاحِبُهُ فَيَكُونُ بِالْعَمَلِ تَفْصِيلِيًّا، فَذِكْرُ الْحَوَارِيِّينَ الْأَتْبَاعِ بَعْدَ الْإِيمَانِ يُفِيدُ أَنَّ إِيمَانَهُمْ كَانَ فِي مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ التَّفْصِيلِيِّ الْحَاكِمِ عَلَى النَّفْسِ الْمُصَرِّفِ لَهَا فِي الْعَمَلِ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ لِلرَّسُولِ بِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ، وَعَلَى قَوْمِهِ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ، فَحَذَفَ مَعْمُولَ الشَّاهِدِينَ لِيَعُمَّ الْمَشْهُودَ لَهُ وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ.
أَوْ يُقَالُ: الشَّاهِدِينَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ حَالَةِ الرَّسُولِ مَعَ قَوْمِهِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ. قَالَ: وَمِنَ الْمَعْرُوفِ فِي الْفِقْهِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يَكُونُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ إِلَّا مِنَ الْعَارِفِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً، وَقَدْ كَانَ الْحَوَارِيُّونَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ إِقْرَارِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ.
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ أَيْ وَمَكَرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ بِهِ، فَحَاوَلُوا قَتْلَهُ وَأَبْطَلَ اللهُ مَكْرَهُمْ فَلَمْ يَنْجَحُوا فِيهِ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَكْرِ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ، كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَأَقَرَّهُمُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ. وَلَكِنْ وَرَدَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ إِضَافَةَ الْمَكْرِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ بِمَكْرِ النَّاسِ. قَالَ: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [7: 99] وَالْمَكْرُ فِي الْأَصْلِ: التَّدْبِيرُ الْخَفِيُّ الْمُفْضِي بِالْمَمْكُورِ بِهِ إِلَى مَا لَا يَحْتَسِبُ، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي السُّوءِ لِأَنَّ مَنْ يُدَبِّرُ لِلْإِنْسَانِ مَا يَسُرُّهُ وَيَنْفَعُهُ لَا يَكَادُ يَحْتَاجُ إِلَى إِخْفَاءِ تَدْبِيرِهِ، غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَكْرِ فِي التَّدْبِيرِ السَّيِّئِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَكْرِ الْحَسَنِ وَالسَّيِّئِ جَمِيعًا قَالَ - تَعَالَى -: اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [35: 43] وَوَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَكْرِ الْحَسَنِ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا عَلِمَ بِمَا يُدَبَّرُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ أَفْسَدَ عَلَى الْفَاعِلِ تَدْبِيرَهُ لِجَهْلِهِ فَيَحْتَاجُ مُرَبِّيهِ أَوْ مُتَوَلِّي شُئُونِهِ إِلَى أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ وَيَمْكُرَ بِهِ لِيُوَصِّلَهُ إِلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْرِفَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ ; إِذْ يُوجَدُ فِي الْمَاكِرِينَ الْأَشْرَارِ وَالْأَخْيَارِ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ الَّذِي يَخْفَى عَلَى عِبَادِهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِإِقَامَةِ سُنَنِهِ وَإِتْمَامِ حُكْمِهِ، وَكُلُّهَا خَيْرٌ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَصَّرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا بِجَهْلِهِمْ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 259
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست