responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 250
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ شُرُوعٌ فِي خَبَرِ عِيسَى بَعْدَ قِصَّةِ أُمِّهِ وَقِصَّةِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ نَاطِقٌ بِحِكْمَةِ نُزُولِ الْآيَاتِ، مُبَيِّنٌ وَجْهَ دَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَشَّرَتْ مَرْيَمَ بِالْوَلَدِ الصَّالِحِ حِينَ بَشَّرَتْهَا بِاصْطِفَاءِ اللهِ إِيَّاهَا وَتَطْهِيرِهِ لَهَا وَأَمَرَتْهَا بِمَزِيدِ عِبَادَتِهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي شُكْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ هُنَا الرُّوحُ جِبْرِيلُ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [19: 17] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ
مَعَهُ غَيْرُهُ. وَفِي لَفْظِ كَلِمَةٍ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ:
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ كَلِمَةُ التَّكْوِينِ لَا كَلِمَةُ الْوَحْيِ ; ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَكَيْفِيَّةِ صُدُورِهِ عَنِ الْبَارِي - عَزَّ وَجَلَّ - مِمَّا يَعْلُو عُقُولَ الْبَشَرِ عَبَّرَ عَنْهُ - سُبْحَانَهُ - بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [36: 82] فَكَلِمَةُ (كُنْ) هِيَ كَلِمَةُ التَّكْوِينِ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا، وَهَاهُنَا يُقَالُ: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ خُلِقَ بِكَلِمَةِ التَّكْوِينِ فَلِمَاذَا خَصَّ الْمَسِيحَ بِإِطْلَاقِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ؟ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُنْسَبُ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الْبَشَرِ إِلَى أَسْبَابِهَا، وَلَمَّا فُقِدَ فِي تَكْوِينِ الْمَسِيحِ وَعُلُوقِ أُمِّهِ بِهِ مَا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا لِلْعُلُوقِ، وَهُوَ تَلْقِيحُ مَاءِ الرَّجُلِ لِمَا فِي الرَّحِمِ مِنَ الْبُوَيْضَاتِ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنْهَا الْجَنِينُ أُضِيفَ هَذَا التَّكْوِينُ إِلَى كَلِمَةِ اللهِ، وَأُطْلِقَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى الْمُكَوَّنِ إِيذَانًا بِذَلِكَ، أَوْ جُعِلَ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْكَلِمَةِ مُبَالَغَةً، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمَشْهُورُ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الْمَسِيحِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى بِشَارَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِهِ، فَهُوَ قَدْ عُرِفَ بِكَلِمَةِ اللهِ، أَيْ بِوَحْيِهِ لِأَنْبِيَائِهِ. قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَالْكَلِمَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [37: 171] إِلَخْ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْكَلِمَةِ لِمَزِيدِ إِيضَاحِهِ لِكَلَامِ اللهِ الَّذِي حَرَّفَهُ قَوْمُهُ الْيَهُودُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَجَعَلُوا الدِّينَ مَادِّيًّا مَحْضًا، قَالَهُ الرَّازِيُّ وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ وَصْفِ النَّاسِ لِلسُّلْطَانِ الْعَادِلِ بِظِلِّ اللهِ وَنُورِ اللهِ ; لِمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِظُهُورِ ظِلِّ الْعَدْلِ وَنُورِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: فَكَذَلِكَ كَانَ عِيسَى سَبَبًا لِظُهُورِ كَلَامِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِسَبَبِ كَثْرَةِ بَيَانَاتِهِ لَهُ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَاتِ وَالتَّحْرِيفَاتِ عَنْهُ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ كَلِمَةُ الْبِشَارَةِ لِأُمِّهِ، فَقَوْلُهُ: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ مَعْنَاهُ بِخَيْرٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِشَارَةٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَلْقَى إِلَيَّ فُلَانٌ كَلِمَةً سَرَّنِي بِهَا، بِمَعْنَى أَخْبَرَنِي خَبَرًا فَرِحْتُ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ [4: 171] يَعْنِي بُشْرَى اللهِ مَرْيَمَ بِعِيسَى أَلْقَاهَا إِلَيْهَا، قَالَ: فَتَأْوِيلُ الْقَوْلِ وَمَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ الْقَوْمِ إِذْ قَالَتْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست