responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 247
الرِّجَالِ، وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ حَمْلَهُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ، أَيْ طَهَّرَكِ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ كَسَفْسَافِ الْأَخْلَاقِ وَذَمِيمِ الصِّفَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالِاصْطِفَاءُ الثَّانِي مَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَكَمَالِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هُوَ جَعْلُهَا تَلِدُ نَبِيًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ، فَهُوَ عَلَى هَذَا اصْطِفَاءٌ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْفِعْلِ بَلْ بِالْإِعْدَادِ وَالتَّهْيِئَةِ. وَبَحَثُوا هُنَا فِي قَوْلِهِ: عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ عَالَمُو زَمَانِهَا - كَمَا يُقَالُ أَرِسْطُو أَعْظَمُ الْفَلَاسِفَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ فَلَاسِفَةُ زَمَانِهِ أَوْ أُمَّتِهِ - أَمْ جَمِيعُ الْعَالَمِينَ. وَفِي الْأَحَادِيثِ إِنَّ أَفْضَلَ النِّسَاءِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ -.
يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ أَيِ الْزَمِي طَاعَتَهُ مَعَ الْخُضُوعِ لَهُ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ السُّجُودُ: التَّطَامُنُ وَالتَّذَلُّلُ. وَالرُّكُوعُ: الِانْحِنَاءُ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي لَازِمِهِ وَسَبَبِهِ، وَهُوَ التَّوَاضُعُ وَالْخُشُوعُ فِي الْعِبَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَرُكُوعُهَا مَعَ الرَّاكِعِينَ عِبَارَةٌ عَنْ صَلَاتِهَا مَعَ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَعْبَدِ وَقَدْ كَانَتْ مُلَازِمَةً لِمِحْرَابِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ أُطْلِقَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي صَلَاتِنَا عَلَى الْعَمَلِ الْمَعْلُومِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ إِذِ الدِّينُ يُطَالِبُنَا بِالْخُشُوعِ وَاسْتِشْعَارِ التَّوَاضُعِ فِي هَذَا الِانْحِنَاءِ وَالتَّطَامُنِ، وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْيَهُودِ كَصَلَاتِنَا فِي أَعْمَالِهَا وَصُورَتِهَا، وَلَكِنَّهُمْ طُولِبُوا فِيهَا بِمِثْلِ مَا طُولِبْنَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ لِلَّهِ - تَعَالَى -.
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَخْبَارِ مَرْيَمَ وَزَكَرِيَّا مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ لَمْ تَشْهَدْهُ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ، وَلَمْ تَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فِي الْكِتَابِ وَإِنَّمَا نَحْنُ نُوحِيهِ إِلَيْكَ بِإِنْزَالِ الرُّوحِ الْأَمِينِ الَّذِي خَاطَبَ مَرْيَمَ وَزَكَرِيَّا بِمَا خَاطَبَهُمَا بِهِ عَلَى قَلْبِكَ، وَإِلْقَائِهِ فِي رَوْعِكَ خَبَرَ مَا وَقَعَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَضَمِيرُ نُوحِيهِ رَاجِعٌ إِلَى الْغَيْبِ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيْ قِدَاحَهُمُ الْمَبْرِيَّةَ، فَالسِّهَامُ وَالْأَزْلَامُ الَّتِي يَضْرِبُونَ بِهَا الْقُرْعَةَ وَيُقَامِرُونَ تُسَمَّى أَقْلَامًا أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ أَيْ يَسْتَهِمُونَ بِهَذِهِ الْأَقْلَامِ وَيَقْتَرِعُونَ عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ، حَتَّى قَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا فَكَانَ كَافِلَهَا وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كَفَالَتِهَا إِلَّا بَعْدَ الْقُرْعَةِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَعْقَبَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ النَّاطِقَةِ بِأَنَّهَا مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَأَخَّرَ خَبَرَ إِلْقَاءِ الْأَقْلَامِ لِكَفَالَةِ مَرْيَمَ وَذَكَرَهُ فِي سِيَاقِ نَفْيِ حُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست