responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 244
وَمَقَامِ التَّفْرِقَةِ، وَقَدْ أُوذِنَ بِسَمَاعِ نِدَائِهِ، وَاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ، سَأَلَ رَبَّهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الِاسْتِجَابَةِ - وَهِيَ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ الْكَوْنِيَّةِ - فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ) بِالتَّذْكِيرِ وَالْإِمَالَةِ، وَالْبَاقُونَ (فَنَادَتْهُ) بِتَاءِ التَّأْنِيثِ، أَيْ جَمَاعَةُ الْمَلَائِكَةِ، وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُ وَتُذَكِّرُ الْمُسْنَدَ إِلَى جَمْعِ الذُّكُورِ الظَّاهِرِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ تَاءٌ كَالطَّلْحَاتِ، وَرَسْمُ الْمُصْحَفِ يَتَّفِقُ مَعَ الْقِرَاءَتَيْنِ، لِأَنَّهُ رُسِمَ فِيهِ بِالْيَاءِ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ هَكَذَا " فَنَادَهُ " وَمِنْ سُنَّتِهِ رَسْمُ الْأَلِفِ الْمُمَالَةِ يَاءً لِأَنَّهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْهَا، وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلُ مَلَكُ الْوَحْيِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ تُخْبِرُ عَنِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تُرِيدُ بِهِ الْجِنْسَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ يُقَالُ: خَرَجَ فُلَانٌ عَلَى بِغَالِ الْبَرِيدِ، وَإِنَّمَا رَكِبَ بَغْلًا وَاحِدًا، وَرَكِبَ السُّفُنَ وَإِنَّمَا رَكِبَ سَفِينَةً وَاحِدَةً، وَكَمَا يُقَالُ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْخَبَرَ؟ فَيُقَالُ: مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِنْهُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [3: 173] وَالْقَائِلُ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِهِ فَأَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ نَادَتْهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا
جَمَاعَةٌ دُونَ الْوَاحِدِ وَجِبْرِيلُ وَاحِدٌ. فَلَنْ يَجُوزَ أَنْ يُحْمَلَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى الْأَظْهَرِ الْأَكْثَرِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي أَلْسُنِ الْعَرَبِ دُونَ الْأَقَلِّ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلَمْ تَضْطَرُّنَا حَاجَةٌ إِلَى صَرْفِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيُحْتَاجُ لَهُ إِلَى طَلَبِ الْمَخْرَجِ بِالْخَفِيِّ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمَعَانِي، وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ قَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ. اهـ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرِ عِنْدِي أَنَّهُ نُودِيَ وَهُوَ قَائِمٌ يَدْعُو بِذَلِكَ الدُّعَاءِ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَذُكِرَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ بِأَطْوَلَ مِمَّا هُنَا، فَالصَّلَاةُ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ صَلَاةٌ، وَقَدْ عَطَفَ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْفَاءِ وَحِكَايَةُ مَا قَبْلَهُ صَرِيحَةٌ فِي كَوْنِ الدُّعَاءِ وَقَعَ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي كَانَتْ مَرْيَمُ فِيهِ، فَقَوْلُ الرَّازِيِّ: إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَهُمْ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَيُّ دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ وَلَا دُعَاءَ؟ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى أَيْ بِوَلَدٍ اسْمُهُ يَحْيَى كَمَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى [19: 7] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ " إِنَّ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ النِّدَاءَ قَوْلٌ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ، أَيْ نَادَتْهُ بِأَنَّ اللهَ يُبَشِّرُهُ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْبِشَارَةَ مَحْكِيَّةٌ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ، فَمَا هُنَا لَا يُنَافِي مَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ مِنَ التَّفْصِيلِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يُبْشُرُكَ) كَـ " يَنْصُرُكَ " وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَ " يَحْيَى " تَعْرِيبٌ لِكَلِمَةِ " يُوحَنَّا " فِي لُغَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهِيَ مِنْ مَادَّةِ الْحَيَاةِ، فَالِاسْمُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً بِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِوَالِدِهِ وَمِنْ آلِ يَعْقُوبَ مَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْفَضْلِ، وَقَدْ وَصَفَ - تَعَالَى - هَذَا الْمُبَشَّرَ بِهِ بِعِدَّةِ صِفَاتٍ وَرَدَتْ حَالًا مِنْهُ وَهِيَ قَوْلُهُ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست