responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 24
عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، وَلَا تَقُولُونَ: إِنَّ الَّذِي صَدَرَتْ عَنْ ذَاتِهِ جَمِيعُ الذَّوَاتِ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي صَدَرَتْ عَنْ حَيَاتِهِ كُلُّ حَيَاةٍ؟
الشَّابُّ: لَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ الْقَدِيمَ هُوَ حَيٌّ كَمَا أَنَّهُ قَيُّومٌ، فَإِذَا كَانَ
مَعْنَى قَيُّومِيَّتِهِ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ، فَكَذَلِكَ هُوَ حَيٌّ بِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَهُوَ حَيٌّ بِهِ ; أَيْ إِنَّهُ يَسْتَمِدُّ حَيَاتَهُ مِنْهُ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْيَاءَ كُلَّهَا مِنْ نَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ هِيَ حَادِثَةٌ، وَالْحَادِثُ: هُوَ مَا كَانَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ ذَاتِهِ. فَالْحَيَاةُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، بَلْ هِيَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْوُجُودِ. فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ تِلْكَ الذَّاتَ الْأَزَلِيَّةَ قَدْ صَدَرَتْ عَنْهَا أَشْيَاءُ كُلُّهَا بِلَا حَيَاةٍ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَهَا أَحْدَثَ لِنَفْسِهِ حَيَاةً؟ هَذِهِ سَخَافَةٌ لَا تَخْطُرُ فِي بَالِ عَاقِلٍ، فَالْإِنْسَانُ أَرْقَى الْأَحْيَاءِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ ; لِأَنَّ مِنْ أَثَرِ حَيَاتِهِ الْعِلْمَ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْإِرَادَةَ وَالتَّدْبِيرَ وَالنِّظَامَ، وَمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ هِبَةِ الْحَيَاةِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ أَحَقُّ بِالْعَجْزِ.
التِّلْمِيذُ: إِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ الَّتِي أَثَرُهَا الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالنِّظَامُ هِيَ أَرْقَى مَرَاتِبِ الْحَيَاةِ وَهِيَ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ، أَلَا يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ مُشَابَهَةُ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ لِحَيَاةِ اللهِ - تَعَالَى - ; لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصَائِصَ هِيَ لِحَيَاةِ اللهِ - تَعَالَى - أَيْضًا؟
الشَّيْخُ: اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ ذَاتَ اللهِ - تَعَالَى - لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتَ، وَصِفَاتَهُ لَا تُشْبِهُ الصِّفَاتِ، فَإِذْ طَرَأَتْ عَلَيْكَ الشُّبْهَةُ فِي أَثَرِ الْحَيَاةِ فَقَطْ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا مَجْهُولَةٌ فَتَأَمَّلِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَيَاتَيْنِ: إِنَّ حَيَاةَ اللهِ - تَعَالَى ذَاتِيَّةٌ، - وَحَيَاةَ الْإِنْسَانِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، إِنَّ حَيَاةَ اللهِ - تَعَالَى - أَزَلِيَّةٌ وَحَيَاةَ الْإِنْسَانِ حَادِثَةٌ، إِنَّ حَيَاةَ اللهِ - تَعَالَى - لَا تُفَارِقُهُ وَحَيَاةَ الْإِنْسَانِ تُفَارِقُهُ حِينَ يَمُوتُ، إِنَّ حَيَاةَ اللهِ - تَعَالَى - هِيَ الَّتِي تُفِيضُ الْحَيَاةَ عَلَى كُلِّ حَيٍّ وَحَيَاةُ الْإِنْسَانِ خَاصَّةٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِرَادَةُ وَالنِّظَامُ، كُلُّ ذَلِكَ نَاقِصٌ فِي الْإِنْسَانِ وَاللهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ، وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. انْتَهَى الْمُرَادُ نَقْلُهُ مِنْ تِلْكَ الْعَقِيدَةِ.
وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ يُجَلِّي لِمَنْ وَعَاهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ هَذَا اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ أَوْ قَالَ: " أَعْظَمُ أَسْمَاءِ اللهِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [2: 163] وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ الم اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [3: 1: 2] فَالْآيَةُ الْأُولَى: تُثْبِتُ لَهُ - تَعَالَى - وَحْدَانِيَّةَ الْأُلُوهِيَّةِ مَعَ الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ، وَالثَّانِيَةُ: تُثْبِتُ لَهُ مَعَ الْوَحْدَانِيَّةِ
الْحَيَاةَ الَّتِي تُشْعِرُ بِكَمَالِ الْوُجُودِ وَكَمَالِ الْإِيجَادِ بِإِضَافَةِ الْحَيَاةِ عَلَى الْأَحْيَاءِ، وَالْقَيُّومِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ ; أَيْ ثَابِتًا بِذَاتِهِ وَكَوْنُ غَيْرِهِ قَائِمًا بِهِ ; أَيْ ثَابِتًا وَمَوْجُودًا بِإِيجَادِهِ إِيَّاهُ وَحِفْظِهِ لِوُجُودِهِ بِإِمْدَادِهِ بِمَا يَحْفَظُ بِهِ الْوُجُودَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَمِنْ مَعَانِي هَذِهِ الْقَيُّومِيَّةِ: الْقِيَامُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست