responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 191
أَنْ يُبْدَأَ بِتَقْرِيرِ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِبَيَانِ
حَالِ أَهْلِ الْمُنَاكَرَةِ وَالْجُحُودِ وَمَنَاشِئِ اغْتِرَارِهِمْ بِالْبَاطِلِ، وَأَسْبَابِ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ ذَلِكَ الْحَقِّ أَوِ اشْتِغَالِهِمْ عَنْهُ. وَأَهَمُّهَا الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ فَهِيَ تُنْبِئُهُمْ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ ; إِذْ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ النَّاسَ وَيُحَاسِبُهُمْ بِمَا عَمِلُوا، بَلْ وَلَا فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبُوهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، وَمَا أَحْوَجَ الْكَافِرِينَ إِلَى هَذَا التَّذْكِيرِ، إِنَّ الْجُحُودَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ النَّاسِ لِلْغُرُورِ بِأَنْفُسِهِمْ وَتَوَهُّمِهِمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْحَقِّ ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُوَّةِ وَالْجَاهِ إِذَا وُعِظَ بِالدِّينِ عِنْدَ هَضْمِ حَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْوَعْظُ، وَلَكِنَّهُ إِذَا رَأَى أَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ بِالدِّينِ، فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ وَاعِظًا بَعْدَ أَنْ كَانَ جَاحِدًا، فَهُمْ لِظُلْمَةِ بَصِيرَتِهِمْ وَغُرُورِهِمْ بِمَا أُوتُوا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ وَجَاهٍ يَتَّبِعُونَ الْهَوَى فِي الدِّينِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ: فَسَّرَ مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) (تُغْنِي) بِـ " تَدْفَعُ "، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، وَإِنَّمَا (تُغْنِي) هُنَا كَـ " يُغْنِي " فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [53: 28] وَلَا أَرَاكَ تَقُولُ: إِنَّ مَعْنَاهَا لَنْ يَدْفَعَ مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا وَإِنَّمَا مَعْنَى (مِنْ) هُنَا الْبَدَلِيَّةُ، أَيْ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لَنْ تَكُونَ بَدَلًا لَهُمْ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - تُغْنِيهِمْ عَنْهُ ; فَإِنَّهُمْ إِذَا تَمَادَوْا عَلَى بَاطِلِهِمْ يُغْلَبُونَ عَلَى أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَيُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ - كَمَا سَيَأْتِي فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِي مَا بَعْدَ هَذِهِ - بَلْ تَوَعَّدَهُمْ فِي هَذِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ الْوَقُودُ - بِالْفَتْحِ - كَصَبُورٍ: مَا تُوقَدُ بِهِ النَّارُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا: أَيْ إِنَّهُمْ سَبَبُ وُجُودِ نَارِ الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ الْوَقُودَ سَبَبُ وُجُودِ النَّارِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ أَنَّهُمْ مِمَّا تُوقَدُ بِهِ، وَلَا نَبْحَثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِالتَّسْلِيمِ. رَاجِعْ تَفْسِيرَ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [2: 24] فِيهَا مَزِيدُ بَيَانٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ - تَعَالَى - مَثَلًا لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اسْتَغْنَوْا بِمَا أُوتُوا فِي الدُّنْيَا عَنِ الْحَقِّ فَعَارَضُوهُ وَنَاهَضُوهُ حَتَّى ظَفِرَ بِهِمْ فَقَالَ: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ بِأَنْ أَهْلَكَهُمْ وَنَصَرَ مُوسَى عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمُ الْمُكَذِّبِينَ ; ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا بِكُفْرِهِمْ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، فَمَا أُخِذُوا إِلَّا بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا نُصِرَ الرُّسُلُ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُمْ إِلَّا بِصَلَاحِهِمْ ; فَاللهُ - تَعَالَى - لَا يُحَابِي وَلَا يَظْلِمُ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ عَلَى
مُسْتَحِقِّهِ ; إِذْ مَضَتْ سُنَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْعِقَابُ أَثَرًا طَبِيعِيًّا لِلذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ وَأَشَدُّهَا الْكُفْرُ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُ، فَلْيَعْتَبِرِ الْمَخْذُولُونَ إِنْ كَانُوا يَعْقِلُونَ.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ) بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، وَالْبَاقُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَهَذَا الْكَلَامُ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ، أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمَغْرُورِينَ بِحَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمُ الْمُعْتَزِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ: إِنَّكُمْ سَتُغْلَبُونَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست