responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 182
الْعَامِّيُّ أَنَّ ظَاهِرَ النُّزُولِ بَاطِلٌ، بَلْ مِثَالُهُ أَنْ يُرِيدَ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ إِسْمَاعَ شَخْصٍ فِي الْمَغْرِبِ وَمُنَادَاتَهُ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْمَغْرِبِ بِأَقْدَامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَخَذَ يُنَادِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا يَسْمَعَ فَيَكُونُ نَقْلُهُ الْأَقْدَامَ عَمَلًا بَاطِلًا وَفِعْلًا كَفِعْلِ الْمَجَانِينِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِرُّ مِثْلُ هَذَا فِي قَلْبِ عَاقِلٍ؟ بَلْ يَضْطَرُّ بِهَذَا الْقَدْرِ كُلُّ عَامِّيٍّ إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ نَفْيَ صُورَةِ النُّزُولِ، وَكَيْفَ وَقَدْ عَلِمَ اسْتِحَالَةَ الْجِسْمِيَّةِ عَلَيْهِ، وَاسْتِحَالَةُ الِانْتِقَالِ عَلَى غَيْرِ الْأَجْسَامِ كَاسْتِحَالَةِ النُّزُولِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ، فَإِذَنِ الْفَائِدَةُ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَظِيمَةٌ، وَالضَّرَرُ يَسِيرٌ، فَأَنَّى يُسَاوِي هَذَا حِكَايَةَ الظُّنُونِ الْمُنْقَدِحَةِ فِي الْأَنْفُسِ؟
فَهَذِهِ سُبُلُ تَجَاذُبِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ فِي إِبَاحَةِ ذِكْرِ التَّأْوِيلِ الْمَظْنُونِ أَوِ الْمَنْعِ، وَلَا يَبْعُدُ ذِكْرُ وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى قَرَائِنِ حَالِ السَّائِلِ وَالْمُسْتَمِعِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ ذَكَرَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَتَضَرَّرَ تَرَكَهُ، وَإِنْ ظَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ ظَنُّهُ كَالْعِلْمِ فِي إِبَاحَةِ الذِّكْرِ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ لَا تَتَحَرَّكُ دَاعِيَتُهُ بَاطِنًا إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَلَا يَحِيكُ فِي نَفْسِهِ إِشْكَالٌ مِنْ ظَوَاهِرِهَا، فَذِكْرُ التَّأْوِيلِ مَعَهُ مُشَوِّشٌ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ يَحِيكُ فِي نَفْسِهِ إِشْكَالُ الظَّاهِرِ حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَسُوءَ اعْتِقَادُهُ فِي الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيُنْكِرَ قَوْلَهُ الْمُوهِمَ، فَمِثْلُ هَذَا لَوْ ذُكِرَ مَعَهُ الِاحْتِمَالُ الْمَظْنُونُ، بَلْ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ الَّذِي يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ انْتَفَعَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ مَعَهُ، فَإِنَّهُ دَوَاءٌ لِدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ دَاءً فِي غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الدَّوَاعِيَ السَّاكِنَةَ مِنْ أَكْثَرِ الْمُسْتَمِعِينَ، وَقَدْ كَانُوا عَنْهُ غَافِلِينَ وَعَنْ إِشْكَالِهِ مُنْفَكِّينَ، وَلَمَّا كَانَ زَمَانُ السَّلَفِ الْأَوَّلِ زَمَانَ سُكُونِ الْقَلْبِ بَالَغُوا فِي الْكَفِّ عَنِ التَّأْوِيلِ خِيفَةً مِنْ تَحْرِيكِ الدَّوَاعِي وَتَشْوِيشِ الْقُلُوبِ، فَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَهُوَ الَّذِي حَرَّكَ الْفِتْنَةَ، وَأَلْقَى هَذِهِ الشُّكُوكَ فِي الْقُلُوبِ
مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَبَاءَ بِالْإِثْمِ، أَمَّا الْآنَ وَقَدْ فَشَا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، فَالْعُذْرُ فِي إِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَجَاءً لِإِمَاطَةِ الْأَوْهَامِ الْبَاطِلَةِ عَنِ الْقُلُوبِ أَظْهَرُ، وَاللَّوْمُ عَنْ قَائِلِهِ أَقَلُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ التَّأْوِيلِ الْمَقْطُوعِ وَالْمَظْنُونِ، فَبِمَاذَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ التَّأْوِيلِ؟ قُلْنَا بِأَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَقْطُوعًا ثُبُوتُهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَفَوْقِيَّةِ الْمَرْتَبَةِ (وَالثَّانِي) أَلَّا يَكُونَ اللَّفْظُ إِلَّا مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ، وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا وَتَعَيَّنَ الثَّانِي، مِثَالُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [6: 18] فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ أَنَّ الْفَوْقَ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا فَوْقِيَّةَ الْمَكَانِ أَوْ فَوْقِيَّةَ الرُّتْبَةِ، وَلَمَّا بَطَلَ فَوْقِيَّةُ الْمَكَانِ لِمَعْرِفَةِ التَّقْدِيسِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا فَوْقِيَّةُ الرُّتْبَةُ، كَمَا يُقَالُ: السَّيِّدُ فَوْقَ الْعَبْدِ وَالزَّوْجُ فَوْقَ الزَّوْجَةِ، وَالسُّلْطَانُ فَوْقَ الْوَزِيرِ، فَاللهُ فَوْقَ عِبَادِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا كَالْمَقْطُوعِ بِهِ فِي لَفْظِ الْفَوْقِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
أَمَّا لَفْظُ الِاسْتِوَاءِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَلَى الْعَرْشِ رُبَّمَا لَا يَنْحَصِرُ مَفْهُومُهُ فِي اللُّغَةِ هَذَا الِانْحِصَارَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: مَعْنَيَانِ جَائِزَانِ عَلَى اللهِ - تَعَالَى -، وَمَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ الْبَاطِلُ، فَتَنْزِيلُهُ عَلَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست