responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 180
فَإِنْ قِيلَ: وَهَلْ يَجُوزُ ذِكْرُ هَذَا الظَّنِّ مَعَ كَافَّةِ الْخَلْقِ وَالتَّحَدُّثُ بِهِ كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاطِعًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ؟ قُلْنَا: تَحَدُّثُهُ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ نَفْسِهِ أَوْ مَعَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِبْصَارِ، أَوْ مَعَ مَنْ هُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلِاسْتِبْصَارِ بِذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ وَتَجَرُّدِهِ لِطَلَبِ مَعْرِفَةِ اللهِ - تَعَالَى - أَوْ مَعَ الْعَامِّيِّ، فَإِنْ كَانَ قَاطِعًا فَلَهُ أَنْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِهِ وَيُحَدِّثَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِبْصَارِ أَوْ مَنْ هُوَ مُتَجَرِّدٌ لِطَلَبِ الْمَعْرِفَةِ مُسْتَعِدٌّ لَهُ خَالٍ عَنِ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالتَّعَصُّبَاتِ لِلْمَذَاهِبِ وَطَلَبِ الْمُبَاهَاةِ بِالْمَعَارِفِ وَالتَّظَاهُرِ بِذِكْرِهَا مَعَ الْعَوَامِّ، فَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّحَدُّثِ مَعَهُ ; لِأَنَّ
الْفَطِنَ الْمُتَعَطِّشَ إِلَى الْمَعْرِفَةِ لِلْمَعْرِفَةِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ يَحِيكُ فِي صَدْرِهِ إِشْكَالُ الظَّوَاهِرِ وَرُبَّمَا يُلْقِيهِ فِي تَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةٍ لِشِدَّةِ شَرَهِهِ عَلَى الْفِرَارِ عَنْ مُقْتَضَى الظَّوَاهِرِ، وَمَنْعُ الْعِلْمِ أَهْلَهُ ظُلْمٌ كَبَثِّهِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ.
وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، وَفِي مَعْنَى الْعَامِّيِّ كُلُّ مَنْ لَا يَتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ مِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِطْعَامِ الرَّضِيعِ الْأَطْعِمَةَ الْقَوِيَّةَ الَّتِي لَا يُطِيقُهَا، وَأَمَّا الْمَظْنُونُ فَتَحَدُّثُهُ مَعَ نَفْسِهِ اضْطِرَارٌ، فَإِنَّ مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الذِّهْنُ مِنْ ظَنٍّ وَشَكٍّ وَقَطْعٍ لَا تَزَالُ النَّفْسُ تَتَحَدَّثُ بِهِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ، فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ مَعَ الْعَوَامِّ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْمَقْطُوعِ، أَمَّا تَحَدُّثُهُ مَعَ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ دَرَجَتِهِ فِي الْمَعْرِفَةِ أَوْ مَعَ الْمُسْتَعِدِّ لَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ جَائِزٌ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: أَظُنُّ كَذَا، وَهُوَ صَادِقٌ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ بِذِكْرِهِ مُتَصَرِّفٌ بِالظَّنِّ فِي صِفَةِ اللهِ - تَعَالَى - أَوْ فِي مُرَادِهِ مِنْ كَلَامِهِ وَفِيهِ خَطَرٌ، وَإِبَاحَتُهُ تُعْرَفُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ، وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ وَرَدَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [17: 36] فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: (الْأَوَّلُ) الدَّلِيلُ الَّذِي دَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ صَادِقٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُخْبِرُ إِلَّا عَنْ ظَنِّهِ وَهُوَ ظَانٌّ (وَالثَّانِي) أَقَاوِيلُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْقُرْآنِ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ، إِذْ كَلُّ مَا قَالُوهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بَلْ هُوَ مُسْتَنْبَطٌ بِالِاجْتِهَادِ ; وَلِذَلِكَ كَثُرَتِ الْأَقَاوِيلُ وَتَعَارَضَتْ (وَالثَّالِثُ) إِجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى نَقْلِ الْأَخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ الَّتِي نَقَلَهَا آحَادُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ تَتَوَاتَرْ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ الَّذِي نَقَلَهُ الْعَدْلُ عَنِ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا رِوَايَتَهُ وَلَا يَحْصُلُ بِقَوْلِ الْعَدْلِ إِلَّا الظَّنُّ. (وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْمُبَاحَ صِدْقٌ لَا يُخْشَى مِنْهُ ضَرَرٌ، وَبَثُّ هَذِهِ الظُّنُونِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرٍ، فَقَدْ يَسْمَعُهُ مَنْ يَسْكُنُ إِلَيْهِ وَيَعْتَقِدُهُ جَزْمًا فَيَحْكُمُ فِي صِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ خَطَرٌ، وَالنُّفُوسُ نَافِرَةٌ عَنْ إِشْكَالِ الظَّوَاهِرِ، فَإِذَا وُجِدَ مُسْتَرْوَحًا مِنَ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ مَظْنُونًا سَكَنَ إِلَيْهِ وَاعْتَقَدَهُ جَزْمًا، وَرُبَّمَا يَكُونُ غَلَطًا، فَيَكُونُ قَدِ اعْتَقَدَ فِي صِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - بِمَا هُوَ الْبَاطِلُ أَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ أَقَاوِيلُ الْمُفَسِّرِينَ بِالظَّنِّ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - كَالِاسْتِوَاءِ وَالْفَوْقِ وَغَيْرِهِ، بَلْ لَعَلَّ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ أَوْ فِي حِكَايَاتِ أَحْوَالِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 180
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست