responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 16
سَبَقَ الْقَوْلُ فِي الشَّفَاعَةِ وَالْجَزَاءِ وَالْفِدَاءِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ وَاتَّقُوا يَوْمًا [2: 48] الَّتِي اسْتَشْهَدْنَا بِهَا آنِفًا فَلَا نُعِيدُهُ، وَلَكِنْ بَدَا لِي أَنْ أَكْتُبَ جُمْلَةً وَجِيزَةً فِي مَسْأَلَةِ قِيَاسِ عَالَمِ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ فِي الْتِمَاسِ السَّعَادَةِ بِالْإِسْعَادِ وَالشَّفَاعَةِ، فَأَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ ظَنِّهِمْ فِي سَعَادَةِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ - وَهِيَ أَكْبَرُ الشَّهَادَاتِ فِي هَذَا الْمَقَامِ - مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ هُنَا يُحْدِثُ فِي ذِهْنِ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ مِنَ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِالْمَصْلَحَةِ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْمَيْلِ وَالْأَثَرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا، فَيَعْفُو وَيَصْفَحُ أَوْ يَهَبُ وَيَمْنَحُ، إِمَّا بِهَذِهِ الْعَاطِفَةِ وَإِمَّا بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ ; لِأَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَصْدَرَيْنِ فِي النَّفْسِ أَوْ عَنْ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا أَفْعَالُ اللهِ - تَعَالَى - فَهِيَ تَابِعَةٌ لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا تَغْيِيرٌ مَا، وَهَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا السُّفَهَاءُ الْمَغْرُورُونَ وَقَدْ نَفَاهَا اللهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَبَيَّنَ فِيهَا وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ جِدًّا أَنَّ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ إِنَّمَا تُنَالُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْوِجْدَانِ، الْمُصَرِّفِ لِلْإِرَادَةِ فِي الْأَعْمَالِ.
وَإِنَّمَا الَّذِي أُرِيدَ: أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا: هُوَ أَنَّ السَّعَادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي يَعْرِفُهَا الشَّرْعُ وَيُؤَيِّدُهُ الِاخْتِبَارُ وَالْعَقْلُ، هِيَ فِي الْأَنْفُسِ لَا فِي الْآفَاقِ ; أَعْنِي أَنَّهَا لَا تُنَالُ بِإِسْعَادِ الْأَخِلَّاءِ، وَلَا بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ، إِنَّمَا الْعُمْدَةُ فِيهَا عَلَى اعْتِدَالِ النَّفْسِ فِي أَخْلَاقِهَا وَأَعْمَالِهَا، وَصِحَّةِ عَقَائِدِهَا وَمَعَارِفِهَا، وَيَتْبَعُ هَذَا فِي الْغَالِبِ صِحَّةُ الْجِسْمِ، وَسُهُولَةُ طُرُقِ الرِّزْقِ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ الَّتِي تَفْتِكُ بِالْعُقُولِ وَالْأَجْسَامِ، وَيَظْهَرُ صِدْقُ هَذَا الْقَوْلِ ظُهُورًا بَيِّنًا تَقِلُّ فِيهِ الشُّبَهَاتُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تُسَاسُ بِالْعَدْلِ وَيَكُونُ الْحُكَّامُ فِيهَا مُقَيَّدِينَ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تُكَلِّفُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّمَا تُعْرَضُ الشُّبَهَاتُ عَلَى صِدْقِهِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا السَّلَاطِينُ بِإِرَادَتِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ
فَيُعْطُونَ مِنْ مَالِ الْأُمَّةِ مَا أَرَادُوا لِمَنْ أَرَادُوا، وَيَسْلُبُونَ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ مَا أَحَبُّوا فَيُنْفِقُونَهُ عَلَى مَنْ أَحَبُّوا، وَيُحَكِّمُونَ مَنْ شَايَعَهُمْ - عَلَى ظُلْمِهِمْ - فِي أَنْفُسِ الْخَاضِعِينَ لِحُكْمِهِمْ، وَلَا يُشَايِعُهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ فَاسِدَ الْأَخْلَاقِ سَيِّئَ الْأَعْمَالِ يُؤْثِرُ هَوَاهُمْ عَلَى رِضْوَانِ اللهِ - إِنْ كَانَ يَكْفُرُ فِي رِضْوَانِ اللهِ أَوْ يُؤْمِنُ بِهِ - وَعَلَى مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَمَا يَتَمَتَّعُ بِهِ أَعْوَانُ الظَّالِمِينَ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ بِالْبَاطِلِ وَمَا يَنَالُهُ أَشْيَاعُهُمْ مِنْ مَنَافِعِ شَفَاعَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ اللهِ وَشَرْعِهِ مِنَ الشَّقَاءِ لَا مِنَ السَّعَادَةِ، أَفَعَلَى حُكْمِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ نَقِيسُ حُكْمَ رَبِّ الْعِزَّةِ فِي يَوْمِ الدِّينِ، أَيْنَ نَحْنُ إِذًا مِنْ قَوْلِهِ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [21: 47] إِذَا خَفِيَ شَقَاءُ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ وَأَشْيَاعِهِمْ عَلَى الْجَاهِلِ فِي طَوْرِ الْإِمْلَاءِ وَالِاسْتِدْرَاجِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ فِي الْخَلْقِ وَيَعْرِفُ ذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ يَوْمَ يَأْخُذُهُمُ اللهُ بِظُلْمِهِمْ، وَيُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْلُبُ مُلْكَهُمْ، وَتَشْقَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 16
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست