responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 7
السُّفَهَاءِ فِي أَقْوَالِهِمْ، أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالِاسْتِفْهَامِ مُجْمَلًا، وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ وَجْهُ الشُّبْهَةِ حَتَّى لَا تَسْبِقَ إِلَى النُّفُوسِ، وَالْغَرَضُ إِقَامَةُ الْمَوَانِعِ مِنْ تَأْثِيرِهَا عِنْدَ وُرُودِهَا مِنْ أَرْبَابِهَا، وَاخْتِصَارٌ لِلْبُرْهَانِ بِبَيَانِ أَنَّ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ كَسَائِرِ الْجِهَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى ; أَيْ: يُخَصِّصُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ فَيَجْعَلُهُ قِبْلَةً لِمَنْ يَشَاءُ، وَبَيَانٌ لِمَكَانَةِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ كُلَّ أَصْلٍ دِينِيٍّ بِدَلِيلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَكُلِّفَتِ الْعَدْلَ وَالِاعْتِدَالَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ ; أَيْ: فَلَا يَلِيقُ بِهَا أَنْ تُبَالِيَ بِانْتِقَادِ السُّفَهَاءِ الْمُذَبْذَبِينَ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ.
(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) أَيْ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ فِيمَا مَضَى هِيَ الْجِهَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَى الْيَوْمِ ثُمَّ أَمَرْنَاكَ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا إِلَى الْكَعْبَةِ إِلَّا لِيَتَبَيَّنَ لَكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ الثَّابِتَ عَلَى إِيمَانِهِ مِمَّنْ لَا ثَبَاتَ لَهُ، فَتَعْلَمُوا الْمُتَّبِعَ لِلرَّسُولِ مِنَ الْمُنْقَلِبِ عَلَى عَقِبَيْهِ، بِرُجُوعِهِ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَّا لِيَكُونَ عِلْمُنَا الْغَيْبِيُّ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِمَا وَمَآلِهِمَا عِلْمَ شَهَادَةٍ بِوُقُوعِ مُتَعَلِّقِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ; أَيْ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَخْتَبِرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُ الصَّادِقِينَ، وَرَيْبُ الْمُرْتَابِينَ، وَعَاقِبَةُ الْمُنَافِقِينَ ; لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَنْ فَقِهَ فِي الشَّيْءِ فَعَرَفَ سِرَّهُ وَحِكْمَتَهُ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الْآخِذُ بِالظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ فِقْهٍ وَلَا عِرْفَانٍ، وَالْمُنَافِقُ غَيْرُ الْمُطَمْئِنِّ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَثْبُتَانِ فِي مَهَابِّ عَوَاصِفِ الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ.
وَقَالَ مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) : وَمَا صَيَّرْنَا الْقِبْلَةَ لَكَ الْآنَ الْجِهَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا أَوَّلًا وَهِيَ الْكَعْبَةُ إِلَخْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَقَلِّينَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَوَّلًا إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ النَّسْخُ قَدْ حَصَلَ مَرَّتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِبْلَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ قَبِيلِ (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (17: 60) فَالرُّؤْيَا لَمْ تَكُنْ بِنَفْسِهَا فِتْنَةً وَإِنَّمَا افْتَتَنَ النَّاسُ إِذْ أُخْبِرُوا بِهَا وَلَمْ يَفْقَهُوا
الْمُرَادَ مِنْهَا، كَذَلِكَ الْقِبْلَةُ، لَيْسَ فِي جَعْلِ جِهَةِ كَذَا قِبْلَةً فِتْنَةٌ وَاخْتِبَارٌ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا الْفِتْنَةُ فِيمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَرْفًا عَنْ قِبْلَةٍ إِلَى غَيْرِهَا. فَالسُّفَهَاءُ وَالْجُهَّالُ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ يُنْكِرُونَ هَذَا التَّحْوِيلَ وَيَرَوْنَهُ أَمْرًا إِدًّا، وَالَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ إِلَى فِقْهِ ذَلِكَ يَرَوْنَهُ أَمْرًا حَكِيمًا جِدًّا ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) فَمَنَحَهُمُ الِاعْتِدَالَ فِي الْفِكْرِ، وَالْإِدْرَاكَ فِي الْمَيْلِ وَالرَّغْبَةِ. قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ.
ثُمَّ قَالَ: مَا مِثَالُهُ - مُوَضِّحًا قَوْلَهُ تَعَالَى: (لِنَعْلَمَ) - مَعْهُودٌ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، وَمِثْلُهُ: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ) (72: 28) وَقَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ) (5: 94) وَالْعَقْلُ وَالنَّقْلُ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى قَدِيمٌ لَا يَتَجَدَّدُ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَقْوَالٌ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَظْهَرَهَا، فَقَالَ مَا مِثَالُهُ: جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي لُغَتِهَا أَنْ تَنْسِبَ إِلَى الرَّئِيسِ وَالْكَبِيرِ مَا يَحْدُثُ بِأَمْرِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست