responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 51
فِي الْعَوَالِمِ الْحَيَّةِ أَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا النَّبَاتَ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ هُوَ مَصْدَرُ حَيَاتِهِ، ثُمَّ هُوَ مُخْتَلِفٌ فِي أَلْوَانِهِ وَطُعُومِهِ وَرَوَائِحِهِ، فَتَجِدُ فِي الْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ نَبْتَةَ الْحَنْظَلِ مَعَ نَبْتَةِ الْبِطِّيخِ مُتَشَابِهَتَيْنِ فِي الصُّورَةِ مُتَضَادَّتَيْنِ فِي الطَّعْمِ، وَتَجِدُ النَّخْلَةَ وَتَمْرَهَا مَا تَذُوقُ حَلَاوَةً وَلَذَّةً، وَتَجِدُ فِي جَانِبِهَا شَجَرَةَ اللَّيْمُونِ الْحَامِضِ وَالنَّارِنْجِ وَثَمَرَهَا مَا تَعْرِفُ حُمُوضَةً وَمُلُوحَةً، وَتَجِدُ بِالْقُرْبِ مِنْهُمَا شَجَرَةَ الْوَرْدِ لَهَا مِنَ الرَّائِحَةِ مَا لَيْسَ لِلنَّخْلَةِ وَمَا يُخَالِفُ فِي أَرِيجِهِ زَهْرَ النَّارِنْجِ، بَلْ يُوجَدُ فِي الشَّجَرِ مَا لَهُ زَهْرٌ ذَكِيُّ الرَّائِحَةِ ; فَإِذَا قَطَعْتَ الْغُصْنَ الَّذِي فِيهِ هَذَا الزَّهْرَ تَنْبَعِثُ مِنْهُ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ ; فَتِلْكَ السُّنَنُ - الَّتِي يَتَكَوَّنُ بِهَا الْمَطَرُ وَيَنْزِلُ - جَارِيَةٌ بِنِظَامٍ وَاحِدٍ دَقِيقٍ، وَكَذَلِكَ طُرُقُ تَغَذِّي النَّبَاتِ بِالْمَاءِ هِيَ جَارِيَةٌ بِنِظَامٍ وَاحِدٍ، فَوَحْدَةُ النِّظَامِ وَعَدَمُ الْخَلَلِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْدَرَهُ وَاحِدٌ، فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَدُلُّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ الْكَامِلَةِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا لِلْخَلْقِ فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَرَافِقِ يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ الشَّامِلَةِ، وَقُلْ مِثْلَ هَذَا فِيمَا بَثَّ اللهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، فَإِنَّهَا آيَاتٌ عَلَى الْوَحْدَةِ وَدَلَائِلُ وُجُودِيَّةٌ عَلَى عُمُومِ الرَّحْمَةِ.
الْجِنْسُ السَّادِسُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) ذَكَرَ آيَةَ الرِّيَاحِ بَعْدَ آيَةِ الْمَطَرِ لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَهُمَا وَتَذْكِيرًا بِالسَّبَبِ، فَإِنَّ الرِّيَاحَ هِيَ الَّتِي تُثِيرُ السَّحَابَ
وَتَسُوقُهُ فِي الْجَوِّ إِلَى حَيْثُ يَتَحَلَّلُ بُخَارُهُ فَيَكُونُ مَطَرًا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي آيَةِ (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) (30: 48) وَتَصْرِيفُ الرِّيَاحِ وَتَدْبِيرُهَا وَتَوْجِيهُهَا عَلَى حَسَبِ الْإِرَادَةِ وَوَفْقَ الْحِكْمَةِ وَالنِّظَامِ، فَهِيَ تَهُبُّ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ إِحْدَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَتَارَةً تَأْتِي نَكْبَاءَ بَيْنَ بَيْنَ، وَقَدْ تَكُونُ مُتَنَاوِحَةً ; أَيْ: تَهُبُّ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَمِنْهَا الْعَقِيمُ، وَمِنْهَا الْمُلَقِّحَةُ لِلنَّبَاتِ وَلِلسَّحَابِ، وَإِذَا هَبَّتْ حَارَّةً فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَوْقَاتِ فَهِيَ تَهُبُ عَقِبَ ذَلِكَ لَطِيفَةَ الْحَرَارَةِ أَوْ بَارِدَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى سُنَّةٍ حَكِيمَةٍ تَدُلُّ عَلَى وَحْدَةِ مَصْدَرِهَا، وَرَحْمَةِ مُدَبِّرِهَا.
الْجِنْسُ السَّابِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَيِ: الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ الْمَسْحُوبِ فِي الْجِوَاءِ لِإِنْزَالِ الْمَطَرِ فِي الْبِلَادِ الْمُخْتَلِفَةِ. ذَكَرَ السَّحَابَ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُثِيرُهُ وَتَجْمَعُهُ، وَهِيَ الَّتِي تَسُوقُهُ إِلَى حَيْثُ يُمْطِرُ وَتُفَرِّقُ شَمْلَهُ أَحْيَانًا فَيَمْتَنِعُ الْمَطَرُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ سَبَبُهُ الْمُبَاشِرُ لِيُرْشِدَنَا إِلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ ; فَإِنَّهُ يَتَكَوَّنُ بِنِظَامٍ وَيَعْتَرِضُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِنِظَامٍ، فَهُوَ فِي ظَاهِرِهِ آيَةٌ تُدْهِشُ النَّاظِرَ الْجَاهِلَ بِالسَّبَبِ لَوْ لَمْ يَأْلَفْ ذَلِكَ وَيَأْنَسْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا مَنْ وَقَفَ عَلَى السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ فِي اجْتِمَاعِ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ وَافْتِرَاقِهَا وَعُلُوِّهَا وَهُبُوطِهَا، وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ عُلَمَاءُ هَذَا الشَّأْنِ بِالْجَاذِبِيَّةِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا جَاذِبِيَّةُ الثِّقَلِ، وَالْجَاذِبِيَّةُ الْعَامَّةُ، وَجَاذِبِيَّةُ الْمُلَاصَقَةُ وَغَيْرُهَا، وَمَنْ لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى ظَوَاهِرِهَا فَيَرَاهَا كَمَا تَرَاهَا الْعَجْمَاوَاتُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 51
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست