responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 48
وَيَطُولُ هَذَا فَيَقْصُرُ ذَاكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحُسْبَانٍ مُطَّرِدٍ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَالْبُلْدَانِ وَمِثْلُهُ اخْتِلَافُ الْفُصُولِ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِ الْعَرْضِ وَالطُّولِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ هُوَ أَثَرُ مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ لِلشَّمْسِ وَحَرَكَتِهَا بِإِزَائِهَا، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَشْرُوحٌ فِي مَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ الْخَاصِّ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَفِي الْمَشَاهِدِ مِنَ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُصُولِ، وَمَا لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ عَلَى وَحْدَةِ مُبْدِعِ هَذَا النِّظَامِ الْمُطَّرِدِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ يَسْهُلُ عَلَى
كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْهَمَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَسْبَابَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ وَتَقْدِيرَهُ. وَفِي الْقُرْآنِ بَيَانٌ لِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (17: 12) فَهَذِهِ الْآيَةُ تَهْدِي إِلَى مَا فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَفِي مَعْنَاهَا آيَاتٌ أُخْرَى. وَقَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (25: 62) وَهَذِهِ هِدَايَةٌ إِلَى الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ. وَهُنَاكَ آيَاتٌ تُشِيرُ إِلَى أَسْبَابِ هَذَا الِاخْتِلَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) (39: 5) وَقَوْلِهِ: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) (7: 54) وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى اسْتِدَارَةِ الْأَرْضِ وَدَوَرَانِهَا حَوْلَ الشَّمْسِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ ((الْمَنَارِ)) بِالتَّفْصِيلِ وَفِي ((التَّفْسِيرِ)) بِالْإِجْمَالِ.
وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ النِّظَامِ الشَّمْسِيِّ، وَقُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ النِّظَامَ يَدُلُّ عَلَى وَحْدَةِ وَاهِبِهِ وَمُقَدِّرِهِ، وَنَقُولُ: إِنَّ آثَارَهُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا دَلَالَتُهَا عَلَى رَحْمَتِهِ تَعَالَى فَظَاهِرَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ آنِفًا.
الْجِنْسُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) الْفُلْكُ - بِالضَّمِّ - اسْمٌ لِلسَّفِينَةِ وَلِجَمْعِهَا، كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ تَأْتِيَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي آخِرِ الْآيَاتِ لِيَكُونَ مَا لِلْإِنْسَانِ فِيهِ صُنْعٌ عَلَى حِدَةٍ وَمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ عَلَى حِدَةٍ. وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهَا عُقَيْبَ آيَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ هِيَ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حَاجَةً إِلَى تَحْدِيدِ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمُرَاقَبَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ، وَالْمُسَافِرُونَ فِي الْبَحْرِ أَحْوَجُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ، وَتَحْدِيدِ الْجِهَاتِ ; لِأَنَّ خَطَرَ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ أَشَدُّ، وَفَائِدَةُ الْمَعْرِفَةِ لَهُمْ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ رَبَّانِيِّ السُّفُنِ مَعْرِفَةُ عِلْمِ النُّجُومِ (الْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ) وَعِلْمُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْعِلْمِ. قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (6: 97) فَهَذَا وَجْهُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ ذِكْرِ الْفُلْكِ وَمَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا كَوْنُ الْفُلْكِ آيَةً فَلَا يَظْهَرُ بَادِي الرَّأْيِ كَمَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا رَحْمَةً مِنْ قَوْلِهِ: (بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ) أَيْ: فِي أَسْفَارِهِمْ وَتِجَارَاتِهِمْ، وَمَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالِاخْتِبَارِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ يُعْرَفُ فِي الْعُصُورِ السَّالِفَةِ ; إِذْ كَانَتِ الْفُلْكُ كُلُّهَا شِرَاعِيَّةً فَلَمْ يَكُنِ
الْبُخَارُ يُسَيِّرُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْبَوَاخِرِ وَالْبَوَارِجِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَحْكِي مُدُنًا كَبِيرَةً فِيهَا جَمِيعُ الْمَرَافِقِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 48
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست