responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 46
الدِّينِ وَأَصْلُهُ، وَقَدْ فَصَّلْنَا مَعَانِيَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ وَاسْمَيْ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ.
أَرَأَيْتَ هَذَا الِاتِّصَالَ الْمُحْكَمَ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا؟ إِنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ قَدْ قَطَعَ عُرَاهُ وَفَصَمَهَا، وَجَعَلَ الْآيَةَ جَوَابًا لِقَوْمٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْسِبْ لَنَا رَبَّكَ، قَالَهُ (الْجَلَالُ) .
وَيَقُولُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ ; لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْحُكْمُ تُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ وَفِقْهِ حِكْمَتِهِ وَسِرِّهِ، وَمِثْلُهَا مَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَعْضِ الْوَقَائِعِ كَغَزْوَةِ بَدْرٍ وَالنَّصْرِ فِيهَا، وَمُصِيبَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أُحُدٍ، وَأَمَّا الْآيَاتُ الْمُقَرِّرَةُ لِلتَّوْحِيدِ - وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنَ الدِّينِ - فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْتِمَاسِ أَسْبَابٍ لِنُزُولِهَا بَلْ هِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِظَارِ السُّؤَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُبَيِّنُ عِنْدَ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، وَمَا عَسَاهُ يَكُونُ قَدْ قَارَنَ نُزُولَهَا مِنْ حَادِثَةٍ أَوْ سُؤَالٍ مِثْلِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ آنِفًا فَهُوَ إِنْ صَحَّ رِوَايَةً لَا يَزِيدُنَا بَيَانًا فِي فَهْمِ الْآيَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا لِنُزُولِهَا لَا سِيَّمَا بَعْدَ الَّذِي عُلِمَ مِنَ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا كَمَا يَلِيقُ بِبَلَاغَةِ الْقُرْآنِ.
وَمِثْلُ هَذَا السَّبَبِ يَجْعَلُ الْقُرْآنَ مُبَدَّدًا مُتَفَرِّقًا لَا تَرْتَبِطُ أَجْزَاؤُهُ وَلَا تَتَّصِلُ أَنْحَاؤُهُ، وَمِثْلُهُ مَا قَالُوهُ فِي سَبَبِ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ مِنْ وَصْلِ الدَّلِيلِ بِالدَّعْوَى، وَلَكِنَّهُمْ رَوَوْا فِي سَبَبِهَا رِوَايَاتٍ مِنْهَا أَنَّ آيَةَ (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ سَمِعَ بِهَا مُشْرِكُو مَكَّةَ فَقَالُوا مَا قَالُوا، وَعَجِبُوا كَيْفَ يَسَعُ الْخَلْقَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَطَلَبُوا الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ سَمِعُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَكَأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ تَكُنْ طَرَأَتْ عَلَى أَذْهَانِهِمْ، وَلَا طَرَقَتْ أَبْوَابَ مَسَامِعِهِمْ. عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ (ص) كَانَ قَدْ أَقَامَ فِيهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى هَذَا التَّوْحِيدِ عَشْرَ سِنِينَ وَنَيِّفًا، وَسَبَقَ لَهُمُ التَّعَجُّبُ مِنْهُ (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ عُجَابٌ)
(38: 5) وَمُعْظَمُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ آيَاتٌ وَبَرَاهِينٌ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَرَاهُ فِي التَّنْزِيلِ الْمَدَنِيِّ مِنْ آيَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي التَّوْحِيدِ وَالْأُخْرَى فِي دَلِيلِهِ قَدْ كَانَ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا أَنْ نَزَلَ الدَّلِيلُ بَعْدَ الْمَدْلُولِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ وَسَبَبٍ مُتَأَخِّرٍ؟
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ بَيَانِ اتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا: وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِلَّذِينَ قَالُوا: انْسِبْ لَنَا رَبَّكَ، أَوْ صِفْ لَنَا رَبَّكَ ; لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ إِنَّمَا يَصْدُرُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ هَذَا الرَّبِّ الْعَظِيمِ، أَوْ مِمَّنْ يَبْغِي أَنْ يَعْرِفَ مِقْدَارَ عِلْمِ الْمَسْئُولِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ بِذِكْرِ جَمِيعِ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنَ التَّنْزِيهِ وَالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ إِلَّا الْوَحْدَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَتَرَكَ ذِكْرَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَهِيَ صِفَاتٌ لَا تُعْقَلُ الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا بِهَا، وَسَبَبُهُ أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ لَمْ يَكُونُوا يَكْتُمُونَهَا وَلَا يُشْرِكُونَ مَعَ اللهِ أَحَدًا فِيهَا، وَإِنَّمَا أَشْرَكُوا فِي الْأُلُوهِيَّةِ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ وَالنُّذُورِ وَالْقَرَابِينِ، وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا عَدَمَ اكْتِفَائِهِمْ بِرَحْمَتِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي تَعْلِيلِهِ: إِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِذِكْرِ الْوَحْدَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست