responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 44
إِنَّ الْخُلُودَ فِي اللَّعْنَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْخُلُودِ فِي أَثَرِهَا وَهُوَ النَّارُ بِقَرِينَةِ (لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ) وَلَا أَذْكُرُ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّعْنَ بِمَعْنَى الطَّرْدِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخُلُودُ فِيهِ عِبَارَةً عَنْ دَوَامِهِ هُوَ ; أَيْ: هُمْ مَطْرُدُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى طَرْدًا دَائِمًا
لَا يُرْجَى لَهُمْ أَنْ يَسْلَمُوا مِنْهُ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بِهِ هُوَ غَايَةُ مَا يَكْتَسِبُهُ الْمَرْءُ مِنْ ظُلُمَاتِ الرُّوحِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَقِّ، وَتَدْسِيَةِ النَّفْسِ، فَمَتَى مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَبَطَلَ كَسْبُهُ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَلِّيَ تِلْكَ الْغُمَّةَ، وَيُنِيرَ هَاتِيكَ الظُّلْمَةَ، وَحُرِمَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ، وَمِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، فَكَأَنَّ خُلُودَهُ فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ قَدْ نَشَأَ عَنْ وَصْفٍ لَازِمٍ لَهُ، فَهُوَ دَائِمٌ بِدَوَامِ ذَاتِهِ الَّتِي هِيَ عِلَّتُهُ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا أَنْ يُنْظَرَ وَيُمْهَلَ فِيهِ، أَوْ يَنْظُرَ اللهُ إِلَيْهِ وَيُزَكِّيَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْهُ، فَهُوَ الْجَانِي وَالْمُعَذِّبُ لِنَفْسِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَرْجُو مِنْ غَيْرِهِ؟
(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) .
نَطَقَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ بِأَنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مَلْعُونُونَ لَا تُرْجَى لَهُمْ رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا، فَإِنْ هُمْ مَاتُوا - عَلَى كِتْمَانِهِمْ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ كُفْرُهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ - كَانُوا خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَةِ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا شَيْءٌ ; إِذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمُ افْتِدَاءٌ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشُّفَعَاءِ (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (40: 18) لِأَنَّ اللَّعْنَةَ تَعُمُّهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلْعَوَالِمِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرَّحْمَةَ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْءُوسِينَ يَتَبَرَّءُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ فِي الضَّلَالِ وَيَتَّخِذُونَ كَلَامَهُمْ دِينًا مِنْ دُونِ كِتَابِ اللهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَنَاسَبَ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ شَارِعَ الدِّينِ وَمُحِقَّ الْحَقِّ هُوَ وَاحِدٌ لَا يُعْبَدُ غَيْرُهُ، وَلَا تُكْتَمُ هِدَايَتُهُ، وَلَا يُجْعَلُ كَلَامُ الْبَشَرِ مِعْيَارًا عَلَى كَلَامِهِ، وَهُوَ مُفِيضُ
الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ ; إِذِ الرَّحْمَةُ مِنْ صِفَاتِهِ الْكَامِلَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست