responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 391
(الثَّالِثَةُ) مَتَى عَظُمَ الشُّعُورُ فِي نُفُوسِ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ بِوُجُوبِ حِفْظِ اسْتِقْلَالِهَا وَدَفْعِ ضَيْمِ الْأَعْدَاءِ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْرِيَ إِلَى عَامَّتِهَا، فَيَظُنُّ النَّاقِصُ أَنَّ عِنْدَهُ مِنَ النَّعْرَةِ وَالْحَمِيَّةِ لِلْأُمَّةِ مَا عِنْدَ الْكَامِلِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ مِنْ طَوْرِ الْفِكْرِ وَالشُّعُورِ إِلَى طَوْرِ الْعَمَلِ وَالظُّهُورِ انْكَشَفَ عَجْزُ الْأَدْعِيَاءِ الْمُدَّعِينَ، وَلَمْ يَنْفَعْ إِلَّا صِدْقُ الصَّادِقِينَ، كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (2: 246) .
(الرَّابِعَةُ) أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأُمَمِ الِاخْتِلَافَ فِي اخْتِيَارِ الرَّئِيسِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْهَا، وَالِاخْتِلَافُ مَدْعَاةُ التَّفَرُّقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ يَقْبَلُهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأُمَّةِ; لِذَلِكَ لَجَأَ الْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى نَبِيِّهِمْ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَخْتَارَ لَهُمْ رَجُلًا يَكُونُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ الْمُرَجِّحَ لِاخْتِيَارِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَةَ أُولِي الْأَمْرِ لِمَنْ يَخْتَارُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالْمَكَانَةِ فِي الْأُمَّةِ الَّذِينَ
هُمْ عَوْنُ السُّلْطَانِ وَقُوَّتُهُ بِاحْتِرَامِ الْأُمَّةِ لَهُمْ وَثِقَتِهَا بِهِمْ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُنَصِّبِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الزَّعَامَةِ وَالْحُكْمِ، وَلَكِنِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُظَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الدُّنْيَوِيَّةِ بِإِنَابَتِهِ عَنْهُ فِي الْإِمَامَةِ الدِّينِيَّةِ، وَهِيَ إِمَامَةُ الصَّلَاةِ، إِذْ أَمَرَ عِنْدَ مَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ مَكَانَهُ، وَمَعَ هَذَا قَالَ عُمَرُ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَى اللهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَا. أَيْ إِنَّ الشُّورَى فِي انْتِخَابِهِ لَمْ تَكُنْ تَامَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الَّذِي عَجَّلَ بِالْبَيْعَةِ خَوْفًا مِنْ عَاقِبَةِ طُولِ أَمَدِ الْخِلَافِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَدَمِ دَفْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نَصْبِ الْخَلِيفَةِ لَهُ، وَلَكِنَّ خِلَافَتَهُ وَإِمَامَتَهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمْ تَثْبُتْ بِالْفِعْلِ إِلَّا بِمُبَايَعَةِ الْأُمَّةِ لَهُ.
(الْخَامِسَةُ) أَنَّ النَّاسَ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى التَّقْلِيدِ أَوِ الِاتِّبَاعِ فِيمَا يَرَوْنَهُ مُخَالِفًا لِمَصْلَحَتِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ فِي جَعْلِ طَالُوتَ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَا يَنْهَضُ حُجَّةً إِلَّا فِي ظَنِّ الْمُنْكِرِينَ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِ النَّاسِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَحْسَبُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الصَّوَابَ فِي السِّيَاسَةِ وَنِظَامِ الِاجْتِمَاعِ فِي الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ، فَلَا تَعْرِضُ مَسْأَلَةً عَلَى عَامِّيٍّ إِلَّا وَيُبْدِي فِيهَا رَأَيًا يُقِيمُ عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ هُوَ أَعْلَى مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ الَّتِي يَعْتَرِفُ الْجَاهِلُونَ بِهَا بِجَهْلِهِمْ، فَلَا يَحْكُمُونَ فِيهَا كَمَا يَحْكُمُونَ فِي عِلْمِ السِّيَاسَةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَمَا يَعْقِلُهُ إِلَّا الْأَفْرَادُ مِنَ النَّاسِ، وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ لِهَذَا الْعَهْدِ يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى جَعْلِ الْخِلَافَةِ مُوَافِقَةً لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَهَا مُخَالِفَةً لِمَصْلَحَتِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَعُدُّ الدَّاعِيَ إِلَى ذَلِكَ عَدُوًّا لَهُمْ بَلْ لِلْإِسْلَامِ نَفْسِهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 391
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست