responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 369
مِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، فَالْإِنْفَاقُ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى إِقْرَاضًا لِلَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ إِقَامَةِ سُنَّتِهِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ الَّذِي يُرْضِيهِ جَلَّ شَأْنُهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَزِيدُ مِثْلَ هَذَا الْبَحْثِ فِيمَا أَكْتُبُهُ وَأُسْنِدُهُ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى إِجَازَتِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ.
ثُمَّ قَالَ رَوَّحَ اللهُ رُوحَهُ مَا مِثَالُهُ: وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْإِنْفَاقِ بِالْإِقْرَاضِ الَّذِي يُشْعِرُ بِحَاجَةِ الْمُسْتَقْرِضِ إِلَى الْمُقْرِضِ عَادَةً جَدِيرٌ بِأَنْ يَمْلِكَ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ وَيُحِيطَ بِشُعُورِهِ وَيَسْتَغْرِقَ وِجْدَانَهُ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ مَا يَمْلِكُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَحَيَاءً مِنْهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَعَدَ بِرَدِّهِ مُضَاعَفًا أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَوَعْدُهُ الْحَقُّ؟ هَذَا التَّعْبِيرُ بِمَثَابَةِ الْهَزِّ وَالزِّلْزَالِ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَلْبٌ لَا يَلِينُ لَهُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ إِلَى الْبَذْلِ قَلْبٌ لَمْ يَمَسُّهُ الْإِيمَانُ، وَلَمْ تُصِبْهُ نَفْحَةٌ مِنْ نَفَحَاتِ الرَّحْمَنِ قَلْبٌ خَاوٍ مِنَ الْخَيْرِ، فَائِضٌ بِالْخَبَثِ وَالشَّرِّ; أَيُّ لُطْفٍ مِنْ عَظِيمٍ يُدَانِي هَذَا اللُّطْفَ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ؟ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ، الْغَنِيِّ عَنِ الْعَالَمِينَ، الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، الْمُقَلِّبِ لِقُلُوبِ الْعَبِيدِ، يُرْشِدُ عِبَادَهُ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِفَضْلٍ مِنَ الْمَالِ وَاخْتَصَّهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ النِّعْمَةِ إِلَى مُوَاسَاةِ إِخْوَانِهِمْ بِمَا فِيهِ سَعَادَةٌ لَهُمْ أَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ يَعِيشُ مَعَهُمْ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى بَذْلِ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي فِيهَا صَلَاحُ حَالِهِمْ، وَحِفْظُ شَرَفِهِمْ وَاسْتِقْلَالِهِمْ، فَيُبَرِّرُ هَذَا الْهُدَى وَالْإِرْشَادَ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ دُونَ صِيغَةِ الْأَمْرِ وَالْإِلْزَامِ، وَيُسَمِّي نَفْسَهُ مُقْتَرِضًا لِيَشْعُرَ قَلْبُ الْغَنِيِّ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ الَّتِي رُبَّمَا تُصِيبُهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ هُوَ يَعِدُهُ بِمُضَاعَفَةِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ، أَيَكُونُ هَذَا اللُّطْفُ كُلُّهُ مِنْهُ بِعَبْدِهِ الَّذِي غَمَرَهُ بِنِعْمَتِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَجْمُدُ قَلْبُ هَذَا الْعَبْدِ وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ، وَلَا يَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ، وَلَا يَثِقُ بِوَعْدِهِ، وَيُقَالُ مَعَ هَذَا: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بِهِ وَبِأَنَّ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ مِنْ عِنْدِهِ؟ كَلَّا. مَثِّلْ فِي نَفْسِكَ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ إِعَانَةً لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ خَاطَبَكَ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ فِي التَّلَطُّفِ وَالِاسْتِعْطَافِ، وَمَثِّلْ فِي خَيَالِكَ مَوْقِعَ قَوْلِهِ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَثَرَ كَلَامِهِ فِي يَدَيْكَ.
أَمَّا كَوْنُ الْقَرْضِ حَسَنًا، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا حَلَّ مَحَلَّهُ وَوَافَقَ الْمَصْلَحَةَ، لَا مَا وُضِعَ
مَوْضِعَ الْفَخْفَخَةِ وَقُصِدَ بِهِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، نَعَمْ إِنَّ مَا أُنْفِقَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ حَسَنٌ - وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشُّهْرَةُ - وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ دَالًّا عَلَى إِيمَانِ الْمُنْفِقِ وَثِقَتِهِ بِرَبِّهِ وَابْتِغَائِهِ مَرْضَاتَهُ، وَلَا عَلَى حُبِّهِ الْخَيْرَ لِذَاتِهِ لِارْتِقَاءِ نَفْسِهِ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِ بِمَا اسْتَفَادَ مِنْ فَضَائِلِ الدِّينِ وَحُسْنِ التَّهْذِيبِ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست