responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 332
أَنَّ حَقِيقَتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ زَوْجٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ شَيْئَيْنِ اتَّحَدَا فَصَارَا شَيْئًا وَاحِدًا، فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَا شَيْئَيْنِ فِي الظَّاهِرِ، وَلِذَلِكَ وَضَعَ لَهُمَا لَفْظًا وَاحِدًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الصُّورَةِ لَا يُنَافِي وَحْدَةَ الْمَعْنَى، أُرِيدَ أَنَّ هَذَا
اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَتَّحِدَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ بِبَعْلِهَا بِتَمَازُجِ النُّفُوسِ وَوَحْدَةِ الْمَصْلَحَةِ، حَتَّى يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ عَيْنُ الْآخَرِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) خَبَرٌ لِمَا قَبْلَهُ; أَيْ: يَتَرَبَّصْنَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) (2: 228) فَارْجِعْ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ نَسِيتَ مَا فِي التَّعْبِيرِ مِنْ آيَاتِ الْبَلَاغَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عِدَّةَ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَمُوتُ أَزْوَاجُهُنَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ، لَا يَتَعَرَّضْنَ فِيهَا لِلزَّوَاجِ بِزِينَةٍ وَلَا خُرُوجٍ مِنَ الْمَنْزِلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا يُوَاعِدْنَ الرِّجَالَ بِالزَّوَاجِ، وَقَدْ يَتَعَارَضُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (65: 4) فَهَلْ يُقَالُ: إِنَّ مَا هُنَا خَاصٌّ بِغَيْرِ الْحَوَامِلِ أَمْ مَا هُنَالِكَ خَاصٌّ بِالْمُطَلَّقَاتِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي; لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَالِكَ فِي الطَّلَاقِ، وَالسُّورَةُ سُورَتُهُ فَهُوَ خَاصٌّ، وَالْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يُتَوَفَّى زَوْجُهَا; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ عِدَّتَهَا طَوِيلَةً، وَفَرَضَ عَلَيْهَا الْحِدَادَ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ، مَعَ تَحْرِيمِ السُّنَّةِ الْحِدَادَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، اهْتِمَامًا بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْحَامِلَ الَّتِي يَمُوتُ زَوْجُهَا إِذَا وَضَعَتْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْتَاهَا بِأَنَّهَا حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، وَكَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ احْتِيَاطًا، فَأَيُّ آيَةٍ كَانَتْ عِنْدَ اللهِ هِيَ الْمُخَصِّصَةَ لِلْأُخْرَى كَانَتْ عَامِلَةً بِهَا، وَلَا أَحْفَظُ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ جَزْمًا بِقَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْحَبْرَانِ لَا يُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ.
وَقَدْ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَأَجَابَ: أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَبْحَثَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا نَبْحَثُ عَمَّا يُشِيرُ الْكِتَابُ إِلَى حِكْمَتِهِ إِشَارَةً مَا، وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ فِرَاقِ الزَّوْجِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ عَظِيمٌ يَمْتَدُّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ أَوْ سِتِّينَ يَوْمًا، فَبَرَاءَةُ
الرَّحِمِ إِنْ كَانَتْ تُعْرَفُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَلَا يَكُونُ اسْتِعْرَافُ بَرَاءَتِهِ مِنَ الْحَمْلِ مَانِعًا مِنَ الزَّوَاجِ، فَبَرَاءَةُ النَّفْسِ مِنْ كَآبَةِ الْحُزْنِ تَحْتَاجُ إِلَى مُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَالتَّعَجُّلُ بِالزَّوَاجِ مِمَّا يُسِيءُ أَهْلَ الزَّوْجِ وَيُفْضِي إِلَى الْخَوْضِ فِي الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ التَّهَافُتِ عَلَى الزَّوَاجِ، وَمَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْوَفَاءِ لِلزَّوْجِ وَالْحُزْنِ عَلَيْهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 332
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست