responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 330
الَّذِي يُلَائِمُهُ وَيُنَاسِبُهُ، وَقَدْ قَضَتِ الْحِكْمَةُ بِأَنْ تَكُونَ حَالَةُ لَبَنِ الْأُمِّ فِي التَّغْذِيَةِ مُلَائِمَةً لِحَالِ الطِّفْلِ بِحَسَبِ دَرَجَاتِ سِنِّهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي الظِّئْرِ أَنْ تَكُونَ سِنُّ وَلَدِهَا كَسِنِّ الطِّفْلِ الَّتِي تُتَّخَذُ مُرْضِعًا لَهُ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ لَبَنَ الْمُرْضِعِ يُؤَثِّرُ فِي جِسْمِ الطِّفْلِ وَفِي أَخْلَاقِهِ وَسَجَايَاهُ، وَلِذَلِكَ يُحْتَاطُ فِي انْتِقَاءِ الْمَرَاضِعِ، وَيُجْتَنَبُ اسْتِرْضَاعُ الْمَرِيضَةِ وَالْفَاسِدَةِ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ، وَلَكِنْ لَا يُخْشَى مِنْ لَبَنِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ بِهَا عِلَّةٌ فِي بَدَنِهَا أَوْ فِي أَخْلَاقِهَا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ طَبِيعَتِهَا فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ وَهُوَ فِي الرَّحِمِ، فَاللَّبَنُ لَا يَزِيدُهُ شَيْئًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنْ تُمْنَعَ الْأُمَّهَاتُ مِنَ الْإِرْضَاعِ أَحْيَانًا لِسَبَبٍ عَارِضٍ فِي الْبَدَنِ أَوِ النَّفْسِ وَهَذَا نَادِرٌ، وَأَمَّا التَّدْقِيقُ فِي صِحَّةِ الْمُرْضِعِ وَفِي أَخْلَاقِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا إِذَا كَانَتْ ظِئْرًا لَا أُمًّا. قَالَ: اللَّبَنُ يَخْرُجُ مِنْ دَمِ الْمُرْضِعِ وَيَمْتَصُّهُ الْوَلَدُ فَيَكُونُ دَمًا لَهُ يَنْمُو بِهِ اللَّحْمُ، وَيُنْشِزُ الْعَظْمَ، فَهُوَ يَشْرَبُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ مِنْ حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَقَدْ لُوحِظَ أَنَّ مَنْ يَرْضَعُ مِنْ لَبَنِ الْأَتَانِ يَغْلُظُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ لَبَنُ كُلِّ حَيَوَانٍ يُؤَثِّرُ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَكِنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ نَفْسِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ أَكْثَرُ مِمَّا هِيَ بَدَنِيَّةٌ، فَجِسْمُهُ مُسَخَّرٌ لِشُعُورِهِ وَعَقْلِهِ; لِذَلِكَ كَانَ تَأْثِيرُ الِانْفِعَالَاتِ وَالصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ مِنَ الْمُرْضِعِ فِي الرَّضِيعِ أَشَدَّ مِنْ تَأْثِيرِ الصِّفَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَقَدْ لَاحَظْنَا أَنَّ صَوْتَ الْمُرْضِعِ قَدْ ظَهَرَ فِي الْوَلَدِ الَّذِي كَانَتْ تُرْضِعُهُ، فَكَيْفَ بِآثَارِ عَقْلِهَا وَشُعُورِهَا
وَمَلَكَاتِهَا النَّفْسِيَّةِ؟ ! وَقَدْ نَبَّهَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَحِكَايَةُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ مَعْرُوفَةٌ.
أَقُولُ: ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ وَالِدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الشَّهِيرِ (وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ) كَانَ يَنْسَخُ بِالْأُجْرَةِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ شَيْءٌ اشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً مَوْصُوفَةً بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَكَانَ يُطْعِمُهَا مِنْهُ إِلَى أَنْ حَمَلَتْ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى تَرْبِيَتِهَا الْحَسَنَةِ وَتَغْذِيَتِهَا بِالْحَلَالِ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَوْصَاهَا أَلَّا تُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ إِرْضَاعِهِ، فَاتَّفَقَ أَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا وَهِيَ مُتَأَلِّمَةٌ وَالصَّغِيرُ يَبْكِي وَقَدْ أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ وَشَاغَلَتْهُ بِثَدْيِهَا فَرَضَعَ مِنْهَا قَلِيلًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَهُ إِلَيْهِ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ عَلَى بَطْنِهِ وَأَدْخَلَ أَصْبُعَهُ فِي فِيهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَاءَ جَمِيعَ مَا شَرِبَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَسْهُلُ عَلَيَّ أَنْ يَمُوتَ وَلَا يَفْسُدُ طَبْعُهُ بِشُرْبِ لِبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ، وَيُحْكَى عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَلْحَقُهُ بَعْضُ الْأَحْيَانِ فَتْرَةٌ فِي مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ بَقَايَا تِلْكَ الرَّضْعَةِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِنَايَةِ بِتَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَقَابِلْهُ بِتَهَاوُنِ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي أَمْرِ الْوِلْدَانِ فِي رَضَاعَتِهِمْ وَسَائِرِ شُئُونِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْأُمَّهَاتِ اللَّوَاتِي فَطَرَهُنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى التَّلَذُّذِ بِإِرْضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ وَالْغِبْطَةِ بِهِ، قَدْ صَارَ نِسَاءُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُنَّ يَرْغَبْنَ عَنْهُ تَرَفُّعًا وَطَمَعًا فِي السِّمَنِ وَبَقَاءِ الْجَمَالِ، أَوِ ابْتِغَاءَ سُرْعَةِ الْحَمْلِ، وَكُلُّ هَذَا مُقَاوَمَةٌ لِلْفِطْرَةِ وَمَفْسَدَةٌ لِلنَّسْلِ، وَقَدْ فَطِنَ لَهُ مَنْ عَرَفَ سُنَنَ الْفِطْرَةِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُرْتَقِيَةِ بِالْعِلْمِ وَالتَّرْبِيَةِ، حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ قَيْصَرَةَ الرُّوسِيَّةِ تُرْضِعُ أَوْلَادَهَا وَتُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْمَرَاضِعَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 330
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست