responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 322
وَقَدْ كَانَ النَّاسُ لِجَهْلِهِمْ بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى كَمَالِهَا لَا يَرَوْنَ لِلنِّسَاءِ شَأْنًا فِي صَلَاحِ حَيَاتِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَفَسَادِهَا حَتَّى عَلَّمَهُمُ الْوَحْيُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ مِنَ الْوَحْيِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِلَّا بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِهِمْ، وَإِنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ
مِنَ الْأَحْكَامِ لِإِصْلَاحِ حَالِ الْبُيُوتِ (الْعَائِلَاتِ) بِحُسْنِ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ الْأُمَّةُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، بَلْ نَسِيَتْ مُعْظَمَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَعَادَتْ إِلَى جَهَالَةِ الْجَاهِلِيَّةِ; وَلِهَذَا الْجَهْلِ السَّابِقِ وَلِتَوَهُّمِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ مُعَامَلَةَ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَمُحَافَظَةٌ عَلَى شَرَفِهِمْ خَتَمَ هَذِهِ الْمَوَاعِظَ وَالْأَحْكَامَ وَالْحِكَمَ بِقَوْلِهِ: (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أَيْ: يَعْلَمُ سُبْحَانَهُ مَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الزَّكَاءِ وَالطُّهْرِ وَسَائِرِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ عِلْمًا صَحِيحًا خَالِيًا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْأَوْهَامِ وَاعْتِزَازِ الرِّجَالِ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي النِّسَاءِ; وَلِذَلِكَ ذَكَّرَكُمْ فِي أَثَرِ النَّهْيِ عَنْ عَضَلِ النِّسَاءِ عَنِ الزَّوَاجِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ، الْأُولَى: إِنَّهَا مَوْعِظَةٌ يَتَّعِظُ بِهَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ لِأَعْرَاضِكُمُ. الثَّالِثَةُ: أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ كُلَّ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. وَهَذِهِ آيَاتُ عِلْمِهِ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ الْبَشَرَ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ لَا مِنَ الْعَرَبِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُنَزَّلَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ النَّافِعَةِ بِاخْتِبَارِهِمُ الطَّوِيلِ، بَلْ عَزَبَتْ حِكْمَتُهَا عَنْ نُفُوسِ الْأَكْثَرِينَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْوَحْيُ بِهَا فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الذَّكِيِّ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى وَجْهِهَا مُلَاحِظًا فَوَائِدَهَا، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ غَيْرِ الذَّكِيِّ أَنْ يُسَلِّمَ أَمْرَ رَبِّهِ بِهَا تَسْلِيمًا وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ فَائِدَتُهَا فِي الدُّنْيَا اكْتِفَاءً بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُ هُوَ.
وَهَا هُنَا أُنَبِّهُ وَأُذَكِّرُ الْقَارِئَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ بِأَنَّ مِنْ أَظْهَرِ مَا تُفَضَّلُ بِهِ هِدَايَةُ الْوَحْيِ مَا هُوَ صَحِيحٌ وَحَسَنٌ مِنْ حِكْمَةِ الْبَشَرِ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِالْوَحْيِ يَتَّبَعُ هِدَايَتَهُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ وَجْهَ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا أَمْ لَا، فَيَنْتَفِعُ بِهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَأَمَّا حِكْمَةُ الْبَشَرِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا إِلَّا مَنْ فَهِمَهَا وَاقْتَنَعَ بِصِحَّتِهَا وَبِأَنَّ الْعَمَلَ بِهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ.
وَالَّذِينَ يَجْهَلُونَ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ لِهِدَايَةِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ يُفَضِّلُونَ هِدَايَةَ الْحِكْمَةِ وَالْبَشَرِيَّةِ عَلَيْهَا بِأَنَّ مُتَّبِعَهَا يَتْرُكُ الشَّرَّ; لِأَنَّهُ شَرٌّ ضَارٌّ، وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ; لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَافِعٌ، وَأَنَّ مُتَّبِعَ الدِّينِ يَفْعَلُ مَا لَا يُعْقَلُ لَهُ فَائِدَةٌ. وَهَذَا غَلَطٌ أَوْ مُغَالَطَةٌ; فَإِنَّ الدِّينَ قَدْ جَاءَ بِالْحِكْمَةِ مُؤَيِّدَةً لِلْكِتَابِ كَمَا قَالَ: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (2: 129) فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ فَهْمِ حِكْمَةِ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ فِيهِ مِنْ عَامِّيٍّ وَبَلِيدٍ أَوْ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَفُتْهُ وَقَدْ هُدِيَ
إِلَى الْإِيمَانِ أَنْ يَتْرُكَ الشَّرَّ وَيَفْعَلَ الْخَيْرَ لِأَنَّ الَّذِي نَهَاهُ عَنِ الْأَوَّلِ وَأَمَرَهُ بِالثَّانِي هُوَ اللهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَمِنْ كُلِّ حُكَمَاءِ خَلْقِهِ.
وَمِنْ دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ فِي الْآيَةِ اخْتِلَافُ الْخِطَابِ بِالْإِشَارَةِ; فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْوَعْظَ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْحِكَمِ خَاصًّا بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَّهَ الْخِطَابَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 322
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست