responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 297
لَهُمْ هَمٌّ فِي الدِّينِ إِلَّا قَلِيلٍ مِنْهُمْ! وَهَؤُلَاءِ يَرَوْنَ النِّسَاءَ مَتَاعًا لَا أَنَاسِيَّ مِثْلَهُمْ، فَيَدَعُونَهُنَّ وَشَأْنَهُنَّ، لَا يَتَفَكَّرُونَ فِي أَسْبَابِ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ عَوَاقِبِ إِهْمَالِهِنَّ، وَرَزَايَا جَهْلِهِنَّ.
(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ -: هَذَا لُطْفٌ كَبِيرٌ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحِرْصٌ مِنَ الشَّارِعِ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا طُلِّقَتْ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ سَوَاءً كَانَ بِالْإِيلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَلَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا الرِّجَالُ، وَأَمَّا بَعْلُهَا الْمُطَلِّقُ فَقَدْ يَنْدَمُ عَلَى طَلَاقِهَا، وَيَرَى أَنَّ مَا طَلَّقَهَا لِأَجْلِهِ لَا يَقْتَضِي مُفَارَقَتَهَا دَائِمًا، فَيَرْغَبُ فِي مُرَاجَعَتِهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْعِشْرَةُ السَّابِقَةُ بَيْنَهُمَا جَرَتْ عَلَى طَرِيقَتِهَا الْفِطْرِيَّةِ، فَأَفْضَى كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ بِسِرِّهِ حَتَّى عَرَفَ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ، وَتَمَكَّنَتِ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى عِلَّاتِهِمَا، وَإِذَا كَانَا قَدْ رُزِقَا الْوَلَدَ فَإِنَّ النَّدَمَ عَلَى الطَّلَاقِ يُسْرِعُ إِلَيْهِمَا; لِأَنَّ الْحِرْصَ الطَّبِيعِيَّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَكَفَالَتِهِ بِالِاشْتِرَاكِ تَغْلِبُ بَعْدَ زَوَالِ أُصُرِ الْمُغَاضَبَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى النَّفْسِ، وَقَدْ يَكُونُ أَقُوَى إِذَا كَانَ الْأَوْلَادُ إِنَاثًا; لِهَذَا حَكَمَ اللهُ تَعَالَى لُطْفًا مِنْهُ بِعِبَادِهِ بِأَنَّ بَعْلَ الْمُطَلَّقَةِ، أَيْ زَوْجَهَا أَحَقُّ بِرَدِّهَا فِي ذَلِكَ، أَيْ فِي زَمَنِ التَّرَبُّصِ وَهِيَ الْعِدَّةُ. وَفِي هَذَا بَيَانُ حِكْمَةٍ أُخْرَى لِلْعِدَّةِ غَيْرُ تَبَيُّنِ الْحَمْلِ أَوْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ إِمْكَانُ الْمُرَاجَعَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ تَرَبُّصَ الْمُطَلَّقَاتِ بِأَنْفُسِهِنَّ فِيهِ فَائِدَةٌ لَهُنَّ وَفَائِدَةٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقَّ بِهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ إِذَا قَصَدَ إِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ، وَأَمَّا قَصْدُ مُضَارَّتِهَا وَمَنْعِهَا مِنَ التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْعِدَّةِ حَتَّى تَكُونَ كَالْمُعَلَّقَةِ لَا يُعَاشِرُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ بِالْحُسْنَى وَلَا يُمَكِّنُهَا مِنَ التَّزَوُّجِ، فَهُوَ آثِمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ، فَلَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مُطَلَّقَتَهُ إِلَى عِصْمَتِهِ إِلَّا بِإِرَادَةِ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَنِيَّةِ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْإِمَامُ: إِنَّهُ آثِمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى; لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرِّمٌ لِأَمْرٍ خَفِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الظَّاهِرِ لِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ، وَمَا كَلُّ مَا صَحَّ فِي نَظَرِ الْقَاضِي يَكُونُ جَائِزًا تَدَيُّنًا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَرَبِّهِ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، وَالطَّلَاقُ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ الرَّجْعَةُ قَبْلَ
انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يُسَمَّى طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَهُنَاكَ طَلَاقٌ بَائِنٌ لَا تَحِلُّ مُرَاجَعَةُ الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ أَنَّ كَلِمَةَ (أَحَقُّ) هُنَا بِمَعْنَى حَقِيقِينَ كَمَا قَالُوا.
وَلَمَّا كَانَتْ إِرَادَةُ الْإِصْلَاحِ بِرَدِّ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ إِلَى عِصْمَتِهِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهَا كَمَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَقُومَ بِحُقُوقِهِ ذَكَرَ جَلَّ شَأْنُهُ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِعِبَارَةٍ مُجْمَلَةٍ تُعَدُّ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِصْلَاحِ فِي الْبَشَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) .
هَذِهِ كَلِمَةٌ جَلِيلَةٌ جِدًّا جَمَعَتْ عَلَى إِيجَازِهَا مَا لَا يُؤَدَّى بِالتَّفْصِيلِ إِلَّا فِي سِفْرٍ كَبِيرٍ، فَهِيَ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ إِلَّا أَمْرًا وَاحِدًا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ أَحَالَ فِي مَعْرِفَةِ مَالَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ عَلَى الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَاشَرَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ فِي أَهْلِيهِمْ، وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ، وَهُوَ تَابِعٌ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 297
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست