responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 282
بِاللهِ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ; لِأَنَّهُ يَنْبُوعُ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ النَّافِعَةِ، وَمَصْدَرُ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا الْجَنَّةَ عَلَى مَا يُحْسِنُ فِيهِ، وَالْمَغْفِرَةُ عَلَى مَا أَسَاءَ فِيهِ وَمَنَعَهُ إِيمَانُهُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِرْسَالِ فِيهِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلًا فِي ذَلِكَ; لِأَنَّهُ مَتَى صَحَّ إِيمَانُهُ صَحَّتْ عَزِيمَتُهُ فِي اتِّبَاعِ الشَّرِيعَةِ وَالِاهْتِدَاءِ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَهَذَا التَّعْبِيرُ مَأْنُوسٌ بِهِ فِي اللُّغَةِ، يُعَبِّرُ بِالشَّيْءِ عَنِ الْمُصَرِّفِ لَهُ وَالْغَالِبِ عَلَى أَمْرِهِ، عَلَى حَدِّ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ ((وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي
يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ)) إِلَخْ، وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَهُ يَمْلِكُ شُعُورَهُ وَمَشَاعِرَهُ فَيَكُونُ أَصْلَ كُلِّ عَمَلٍ نَفْسِيٍّ وَبَدَنِيٍّ فِيهِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ مُنَاكَحَةِ الْمُشْرِكِينَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ، فَالْكِتَابِيَّةُ تَدْعُو بِسِيرَتِهَا وَعَمَلِهَا وَقَوْلِهَا إِلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِ دِينِهَا الصَّحِيحِ الْمُتَّفِقِ مَعَ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ إِنْ وَافَقَتْ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ فِيمَا هُوَ إِيمَانٌ صَحِيحٌ كَالْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَهِيَ تُخَالِفُهُ بِمَا تَصِفُ بِهِ اللهَ أَوْ تَتَّخِذُ لَهُ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَذَلِكَ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى النَّارِ، وَقَدْ تَغَلِبُ الْمَرْأَةُ عَلَى أَمْرِ زَوْجِهَا أَوْ وَلَدِهَا فَتَقُودُهُ إِلَى دَعْوَتِهَا، وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الشِّيعَةِ إِلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ.
وَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ: لَوِ اتَّحَدَتِ الْعِلَّةُ لَمَا صَرَّحَ الْكِتَابُ بِجَوَازِ الزَّوَاجِ بِالْكِتَابِيَّةِ الْمُحَصَنَةِ، وَلَمَا اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَخَلَفُهَا عَلَى ذَلِكَ مَا عَدَا هَذِهِ الشِّرْذِمَةَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَكَيْفَ يَسْتَوِي الْفَرِيقَانِ - أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكُونَ - وَقَدْ فَرَّقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بَيْنَهُمَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَزَايَا وَالْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي حُكْمٍ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (2: 62) وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (3: 64) الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ وَمِثْلِهِ فِي آلِ عِمْرَانَ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلُ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (2: 136) وَقَوْلِهِ فِيهَا: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (2: 139) وَقَوْلِهِ فِي: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (29: 46) وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْآيَاتِ كَثِيرٌ جِدًّا، وَهِيَ تُصَرِّحُ بِأَنَّ إِلَهَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَاحِدٌ، وَرَبَّهُمْ وَاحِدٌ، وَالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ; أَيْ: فِي جَوْهَرِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَتَوْحِيدِهِ وَالْبَعْثِ وَالْعَمَلِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 282
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست