responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 263
لِتَرْبِيَةِ اللُّقَطَاءِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ إِلَّا فِي آخِذِي رِبْحِ النِّمَرِ الرَّابِحَةِ دُونَ آخِذِي بَقِيَّةِ الْمَالِ مِنْ جَمْعِيَّةٍ أَوْ حُكُومَةٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ فِيهِ عَدَاوَةٌ وَلَا بَغْضَاءُ لِأَحَدٍ مُعَيَّنٍ كَالَّذِي كَانَ يَغْرَمُ ثَمَنَ الْجَزُورِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ فِيهِ صَدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ.
وَمِنْ مَضَرَّاتِ الْمَيْسِرِ مَا نَبَّهَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ - وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ - وَهُوَ إِفْسَادُ التَّرْبِيَةِ بِتَعْوِيدِ النَّفْسِ الْكَسَلَ وَانْتِظَارَ الرِّزْقِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْوَهْمِيَّةِ، وَإِضْعَافِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، بِتَرْكِ الْأَعْمَالِ الْمُفِيدَةِ فِي طُرُقِ الْكَسْبِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَإِهْمَالِ الْيَاسِرِينَ (الْمُقَامِرِينَ) لِلزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الْعُمْرَانِ.
وَمِنْهَا - وَهُوَ أَشْهَرُهَا - تَخْرِيبُ الْبُيُوتِ فَجْأَةً بِالِانْتِقَالِ مِنَ الْغِنَى إِلَى الْفَقْرِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَمْ مِنْ عَشِيرَةٍ كَبِيرَةٍ نَشَأَتْ فِي الْغِنَى وَالْعِزِّ، وَانْحَصَرَتْ ثَرْوَتُهَا فِي رَجُلٍ أَضَاعَهَا عَلَيْهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَصْبَحَتْ غَنِيَّةً وَأَمْسَتْ فَقِيرَةً لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى أَنْ تَعِيشَ عَلَى مَا تَعَوَّدَتْ مِنَ السَّعَةِ وَلَا مَا دُونَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فِي الْخَمْرِ فَأَهَمُّهَا التِّجَارَةُ، فَقَدْ كَانَتْ وَلَا تَزَالُ مَوْرِدًا كَبِيرًا لِلثَّرْوَةِ وَمَادَّةً عَظِيمَةً لِلتِّجَارَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَغَلَبَ عُلَمَاءُ الْإِفْرِنْجِ عَلَى جُهَّالِهِمْ وَأَبْطَلُوا عَمَلَ الْخُمُورِ وَبَيْعَهَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا مَا يُعْمَلُ سِرًّا كَمَا هُوَ شَأْنُ النَّاسِ فِي اللَّذَّاتِ الْمَمْنُوعَةِ. وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْخُو فِي شِرَاءِ الْخَمْرِ مَا لَا تَسْخُو فِي غَيْرِهَا، وَكَانُوا
يَعُدُّونَ تَرْكَ الْمُمَاكَسَةِ فِيهَا مَكْرُمَةً وَفَضِيلَةً، فَيَكْثُرُ رِبْحُ مُجْتَلِبِهَا وَبَائِعِهَا.
وَمِنْهَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِلَاجًا لِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ كَكَثِيرٍ مِنَ السُّمُومِ وَالنَّبَاتِ الضَّارِّ بِالْمِزَاجِ الْمُعْتَدِلِ، وَلَكِنَّ الدَّوَاءَ يُؤْخَذُ بِمِقْدَارٍ قَلِيلٍ قَدْ يُعَيِّنُهُ الطَّبِيبُ بِالنُّقَطِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ شَدِيدَ الضَّرَرِ كَسَائِرِ الْأَدْوِيَةِ وَلَا سِيَّمَا السَّامَّةُ مِنْهَا، فَالتَّدَاوِي بِالْخَمْرِ لَا يَتَّفِقُ مَعَ شُرْبِهَا لِلنَّشْوَةِ وَاللَّذَّةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا تُسَلِّي الْحَزِينَ عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ بَعْدَهَا مِنْ رَدِّ الْفِعْلِ يَزِيدُ فِي الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا تُسَخِّي الْبَخِيلَ، وَلَكِنَّ هَذَا السَّخَاءَ قَدْ صَارَ ضَرَرًا كُلُّهُ; لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِثَرْوَةِ الْبِلَادِ فَيَضَعُهَا فِي أَيْدِي شِرَارِ الْأَجَانِبِ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَافِعًا; لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَبْذُلُ مَالَهُ فِي قَوْمِهِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا تُثِيرُ النَّخْوَةَ وَتُشَجِّعُ الْجَبَانَ وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا أَعْظَمَ مَنَافِعِهَا عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ مَضَرَّاتِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَمِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ; لِأَنَّ هَذِهِ الْحَمِيَّةَ هِيَ السَّبَبُ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ السُّكَارَى مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ وَالِاعْتِدَاءِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الْحَرْبِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست