responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 253
عَادَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ لِمَا تَقَدَّمَ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا مَنْعَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَرْكُ قِتَالِهِمْ هُوَ الَّذِي يُبِيدُ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَانْتِظَارُ إِيمَانِهِمْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَةِ، طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، وَالْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ
أَهْوَنُ مِنَ الْفِتْنَةِ عَنِ الْإِسْلَامِ لَوْ لَمْ يَحْتَفِ بِهَا غَيْرُهَا مِنَ الْآثَامِ، كَيْفَ وَقَدْ قَارَنَهَا الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْكُفْرُ بِهِ، وَالصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ، وَالِاعْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (إِنِ اسْتَطَاعُوا) يُفِيدُ الشَّكَّ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِهَا; لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً - وَهُوَ الْحَقُّ الصَّرِيحُ - لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إِلَى الْكُفْرِ - وَهُوَ الْبَاطِلُ الْمَفْضُوحُ - وَهَكَذَا كَانَ وَهَكَذَا يَكُونُ، فَلَا يَزَالُ الْكُفَّارُ يُقَاتِلُونَنَا لِيَرُدُّونَا عَنْ دِينِنَا إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا.
وَلَمَّا ذَكَرَ الرِّدَّةَ الَّتِي يَبْغُونَهَا بِقِتَالِهِمْ بَيَّنَ حُكْمَهَا فَقَالَ: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أَيْ: وَمَنْ يَرْجِعْ مِنْكُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهِ - فَرْضًا - فَأُولَئِكَ الْمُرْتَدُّونَ هُمُ الَّذِينَ بَطَلَتْ وَفَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدَّارَيْنِ حَتَّى كَأَنَّ وَاحِدَهُمْ لَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا قَطُّ; لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ يُشْبِهُ الْآفَةَ تُصِيبُ الْمُخَّ وَالْقَلْبَ فَتَذْهَبُ بِالْحَيَاةِ; فَإِنْ لَمْ يَمُتِ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقَعُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ هُدِيَ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ تَفْسُدُ رُوحُهُ وَيُظْلِمُ قَلْبُهُ، فَيَذْهَبُ مِنْ نَفْسِهِ أَثَرُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرَةِ، فَيَخْسَرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.
يَقُولُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْمُرْتَدَّ تَبْطُلُ أَعْمَالُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَحَتَّى إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ نَحْوِ الْحَجِّ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَتُطَلَّقُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا تَعُودُ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ: إِنَّ حُبُوطَ الْعَمَلِ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ; فَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ مُدَّةً ثُمَّ عَادَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ نَحْوِ الْحَجِّ، وَأَمَّا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً إِلَى انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَانَتْ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلِلرِّدَّةِ أَحْكَامٌ أُخْرَى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ تُطْلَبُ مِنْ كُتُبِهِمْ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَنْتَفِعُ بِأَعْمَالِ الْإِسْلَامِ فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي أُخْرَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الدِّينِ رُجُوعٌ عَنْ أُصُولِهِ الْأَسَاسِيَّةِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ:
(1) الْإِيمَانُ بِأَنَّ لِهَذَا الْكَوْنِ الْعَظِيمِ الْمُتْقَنِ فِي وَحْدَةِ نِظَامِهِ وَبَدِيعِ إِحْكَامِهِ، رَبًّا إِلَهًا أَبْدَعَهُ وَأَتْقَنَهُ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ بِغَيْرِ مُسَاعِدٍ وَلَا وَاسِطَةٍ، فَلَا تَأْثِيرَ لِغَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا مَا هَدَى هُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ بِاطِّرَادِ سُنَنِهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ; فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست