responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 240
(12: 110) الْآيَةَ.
فَالرَّسُولُ هُنَا لِلْجِنْسِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْغَايَةُ فِي الشِّدَّةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ تَصْوِيرًا لَهَا كَأَنَّهَا حَاضِرَةٌ; لِيَتَمَثَّلَ الْمُخَاطَبُ هَوْلَهَا وَشِدَّتَهَا فَيَخِفُّ عِنْدَهُ مَا يَجِدُهُ مِمَّا هُوَ دُونَهَا. وَمَا مِنْ شِدَّةٍ تُصِيبُ الْأُمَمَ إِلَّا وَهِيَ دُونَ الشِّدَّةِ الَّتِي يَسْتَعْجِلُ بِهَا رُسُلُ اللهِ تَعَالَى نَصْرَ اللهِ اسْتِبْطَاءً لَهُ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ تَعَالَى وَأَشَدُّهُمُ اتِّكَالًا عَلَيْهِ وَتَسْلِيمًا لَهُ. وَلَعَمْرِي إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَصِلُوا فِي تِلْكَ الشِّدَّةِ الَّتِي حُمِلَتْ عَلَيْهَا الْآيَةُ إِلَى تِلْكَ النِّهَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا أُولَئِكَ الرُّسُلُ مَا قَالُوا، وَلَقَدْ قُتِلَ بَعْضُ النَّبِيِّينَ ضُرُوبًا مِنَ الْقَتْلِ حَتَّى وَرَدَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ حَيًّا، وَنَاهِيكَ بِأَصْحَابِ الْأُخْدُودِ الَّذِينَ أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ بِالنَّارِ (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (85: 8) .
وَحَاصِلُ مَعْنَى الْآيَةِ لَوْمُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ الْحُسْبَانِ، وَبَيَانُ أَنَّ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْأَلَمِ فِي وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ أَوْ وَقْعَةِ أُحُدٍ إِنْ صَحَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِمْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، إِذْ كَانُوا يَأْلَمُونَ مِنْ مُنَازَعَةِ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُقَاسُونَ مِنْ جُحُودِهِمْ وَكَيْدِهِمْ مَا يُقَاسُونَ، كُلُّ ذَلِكَ قَلِيلٌ فِي جَنْبِ مَا قَاسَى غَيْرُهُمْ مِمَّنْ سَبَقَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْهُدَى; إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادُ الْبَشَرِ أَضْعَفَ وَقَسْوَتُهُمْ أَشَدَّ وَعِنَادُهُمْ أَقْوَى.
جَاءَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ آيَاتٌ أَقْرَبُهَا مِنْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ
آلِ عِمْرَانَ: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (3: 142) وَهَذِهِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مَنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (9: 16) فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ.
وَمِنْ خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَّنَ الْكَاذِبِينَ) - إِلَى قَوْلِهِ - (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ) (29: 1 - 10) فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تُؤَيِّدُ الْآيَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا فِي ابْتِلَاءِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الدَّاعِينَ إِلَى الْحَقِّ، وَلَكِنَّكَ تَجِدُ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تُتْلَى عَلَيْهِمْ دَائِمًا فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، فَمَنْ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ تَصَوُّرِ الْمَعْنَى فِي ذِهْنِهِ يَغْفُلُ عَنِ انْطِبَاقِهِ عَلَى الْوَاقِعِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ مَنْ يُؤْذَى فِي سَبِيلِ الْحَقِّ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ كَانَ وُقُوعُ الْأَذَى عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَا يَطْلُبُ الْحَقَّ! ! فَمَا أَجْهَلَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ! وَمَا أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ! وَمَا أَغْفَلَهُمْ عَنْ تَأْوِيلِهِمَا فِي خَلْقِ اللهِ!
اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا إِلَّا مَا يَتَغَنَّوْنَ بِهِ مِنْ بَعْضِ سُوَرِهِ فِي الْمَحَافِلِ الْجَامِعَةِ، فَفَقَدُوا رُوحَ الدِّينِ، وَتَبِعَ الرُّوحَ الْجُسْمَانُ، إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الرُّسُومِ الْمَاثِلَةِ فِي جَانِبِ بُرُوجِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست