responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 238
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَارَ فِي الْبَشَرِ، فَأَنَارَ لَنَا الطَّرِيقَ الَّتِي اهْتَدَتْ فِيهَا الْأُمَمُ بَعْدَ ضَلَالٍ، ثُمَّ ضَلَّتْ بَعْدَ هِدَايَةٍ لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيمَا نَعْمَلُهُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يُحَاوِلُ الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلَافِ يَكُونُ عُرْضَةً لِبَغْيِ الْمُخْتَلِفِينَ وَإِيذَائِهِمْ، وَهَكَذَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ يَبْغُونَ عَلَى أَهْلِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ خَيْرَهُمْ، سَوَاءً كَانَ مَا يُحَاوِلُونَ هِدَايَتَهُمْ فِيهِ هُوَ الضَّلَالُ فِي طَرِيقِ الْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ، أَوِ الضَّلَالُ فِي تَأْوِيلِ الْكِتَابِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّرْعِ; وَلِذَلِكَ قَفَّى عَلَى ذَلِكَ
الْبَيَانِ كُلِّهِ بِتَمْثِيلِ حَالِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلَ الْهِدَايَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَتَصَدَّوْا لِهِدَايَةِ النَّاسِ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى السِّلْمِ وَالْوِفَاقِ فَقَالَ:
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) إِلَخْ. الْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى السِّلْمِ وَالْخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الْخِلَافِ إِلَى نُورِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ لِإِزَالَتِهِ فِي زَمَنِ النُّزُولِ وَفِي كُلِّ زَمَنٍ يَأْتِي بَعْدَهُ. وَتَوْجِيهُهُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ إِلَى أَهْلِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَكْبَرُ عِبْرَةٍ وَمَوْعِظَةٍ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِانْتِمَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ يَكُونُونَ أَهْلًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، جَاهِلِينَ سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْهُدَى مُنْذُ خَلَقَهُمْ، وَهِيَ تَحْمِلُ الشَّدَائِدَ وَالْمَصَائِبَ وَالضَّرَرَ وَالْإِيذَاءَ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَهِدَايَةِ الْخَلْقِ، وَعَجِيبٌ مِنْ أُمَّةٍ يَنْطِقُ كِتَابُهَا بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ اللهِ فِي خَلْقِهِ وَاحِدَةٌ لَا تَحْوِيلَ لَهَا وَلَا تَبْدِيلَ، وَيَحُثُّهَا دَائِمًا عَلَى الِاعْتِبَارِ بِهَا وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ لِمَعْرِفَةِ آثَارِهَا فِي الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ وَالْأُمَمِ الْحَاضِرَةِ، ثُمَّ هُمْ يُحَوِّلُونَ هَذِهِ السُّنَّةَ عَنْهُمْ، وَيَفْشُو فِيهِمُ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَعِظُهُمْ بِمَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ تِلْكَ الْأُمَمِ الَّتِي كَفَرَتْ بِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهَا بِالسِّلْمِ وَالْهِدَايَةِ قَائِلِينَ: إِنَّهُ يَقِيسُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ! !
(أَمْ) هَاهُنَا هِيَ الْوَاقِعَةُ فِي طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ تُشْعِرُ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِنَا وَمَا نَالُوا مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ أُمَمٌ أُوتُوا الْكِتَابَ وَدُعُوا إِلَى الْحَقِّ فَآذَاهُمُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَصَبَرُوا وَثَبَتُوا. أَفَتَصْبِرُونَ مِثْلَهُمْ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَتَثْبُتُونَ ثَبَاتَهُمْ عَلَى الشَّدَائِدِ؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلْوا الْجَنَّةَ وَتَنَالُوا رِضْوَانَ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْتَنُوا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ فَتَصْبِرُوا عَلَى أَلَمِ الْفِتْنَةِ وَتُؤْذَوْا فِي اللهِ فَتَصْبِرُوا عَلَى الْإِيذَاءِ كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي أَنْصَارِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ قَرَّرَ الْأُسْتَاذُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ مِنَ الْآيَةِ يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِ كُلِّ قَارِئٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ كُلُّ أَحَدٍ التَّعْبِيرَ عَنْهُ، وَإِذَا جَعَلْتَ (أَمْ) بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ وَالِاسْتِفْهَامِ مَعًا كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُ (الْجَلَالُ) بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَمْلِكُ النَّفْسَ وَيُؤَثِّرُ فِي الْوِجْدَانِ.
قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ حِينَ غَلَبَ الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَجُّوا رَأْسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ إِذِ اجْتَمَعَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 238
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست