responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 236
تِلْكَ الْأَطْوَارُ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْبَشَرِيَّةِ أَنْ تَمُرَّ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ كَمَالَهَا، وَتَنَالَ تَفْصِيلَهَا وَإِجْمَالَهَا، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يُضَايِقُ مَا اخْتَرْنَاهُ، وَلَا يَبْعُدُ عَمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَمَكَانَةُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الرِّسَالَةِ لَا تُزْعِجُ صَاحِبَ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَا تُلْصِقُ بِهِ شُذُوذًا أَبْعَدَ مِنْ شُذُوذِ مَنْ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى الْحَقِّ مُتَّفِقِينَ، ثُمَّ كَانَ الْخِلَافُ إِثْرَ بِعْثَةِ النَّبِيِّينَ، وَلَا شُذُوذِ مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ هُمْ آدَمُ كَمَا عَلِمْتَ; فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ رِسَالَةَ آدَمَ لَمْ تُعْلَمْ بِمَ كَانَتْ؟ وَإِلَى مَنْ كَانَتْ؟ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِأُمُورٍ تَتَّفِقُ مَعَ تِلْكَ السَّذَاجَةِ الْأُولَى إِلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَبْنَائِهِ، ثُمَّ نُسِيَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ بَلَغَهُ، وَجُهِلَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، عَلَى أَنَّ مَا سَبَقَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) (2: 30) مِنْ رَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُنَاسٍ مَعَهُ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَ فِيهَا عُمَّارٌ يَعْمَلُونَ فِيهَا مَا يَعْمَلُ بَنُو آدَمَ، يُسْمَحُ لِصَاحِبِ التَّأْوِيلِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ بَنِيهِ كَانُوا فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ كَوَلَدِ نُوحٍ، وَإِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَعْمُورَةً مِنْ قَبْلِهِ بِأَقْوَامٍ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتُ الْبَشَرِيَّةُ ثُمَّ انْقَرَضُوا وَخَلَفَهُمْ آدَمُ، كَمَا تَنْقَرِضُ أُمَّةٌ وَتَخْلُفُهَا أُمَّةٌ، يُهْلِكُ اللهُ صِنْفًا وَيُنْشِئُ آخَرَ، وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ، وَلَا يَزَالُ الْهَالِكُ يَتْرُكُ أَثَرًا لِلْبَاقِي يُحْدِثُ فِيهِ فِكْرَةً، وَيُثِيرُ فِي نَفْسِهِ عِبْرَةً، وَيَكُونُ ذَلِكَ سُلَّمًا لَهُ إِلَى رُقِيٍّ كَانَ مِنْ قَبْلُ دُونَهُ، وَأَنَّ مِثَالَ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي تَكَادُ تَكُونُ ضُرُوبًا مِنْ إِنْكَارِ الْمَشْهُودِ لِقَوْلِ قَائِلٍ إِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لَا تَقِفُ دُونَ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ خُصُوصًا عُلَمَاءُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ،
الَّذِي لَمْ يُحَدِّدْ تَارِيخًا خَاصًّا يَبْتَدِئُ مِنْهُ الْوُجُودُ الْإِنْسَانِيُّ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، فَهُمْ أَحْرَارٌ فِيمَا يَنْظُرُونَ مَا دَامُوا لَمْ يُخَالِفُوا نَصًّا قَاطِعًا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ، وَلَا سُنَّةً خَلَا نَقْلُهَا مِنَ الرَّيْبِ وَالِاضْطِرَابِ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَوْدَعَ كِتَابَهُ مِنْ أَسْرَارٍ وَحِكْمَةٍ، نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْنَا هَذِهِ النِّعْمَةَ، فَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَهُوَ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ (انْتَهَى مَا كَتَبَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) .
وَأَقُولُ: إِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنَ الْآيَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ الْأُمِّيِّينَ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ، الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا شَيْئًا عَنْ تَارِيخِ الْبَشَرِ وَأَطْوَارِهِمْ، يَحْمِلُونَهَا عَلَيْهِ وَيَتَّفِقُ مَعَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي جُمْلَتِهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً; أَيْ: لِوَحْدَةِ مَدَارِكِهِمْ وَحَاجَاتِ مَعِيشَتِهِمْ وَقِلَّةِ رَغَائِبِهِمْ وَسُهُولَةِ تَعَاوُنِهِمْ عَلَى مَطَالِبِهِمْ، وَلَكِنْ عَرَضَ لَهُمُ الِاخْتِلَافُ بِالتَّفَرُّقِ وَالِانْقِسَامِ إِلَى عَشَائِرَ فَقَبَائِلَ فَشُعُوبٍ تَخْتَلِفُ حَاجَاتُهَا وَتَتَعَدَّدُ رَغَائِبُهَا، وَيُلْجِئُهَا ذَلِكَ إِلَى تَعَاوُنِ كُلِّ عَشِيرَةٍ فَقَبِيلَةٍ فَشَعْبٍ فِيمَا تَخْتَلِفُ فِيهِ أَفْرَادُهَا أَوْ تَخْتَلِفُ هِيَ وَغَيْرُهَا. فَاشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى تَشْرِيعٍ رَبَّانِيٍّ وَهِدَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ يُذْعِنُ لَهَا الْأَفْرَادُ وَالْجَمَاعَاتُ، فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ فِيهِمْ مُبَشِّرِينَ مَنْ أَطَاعَهُمْ بِالسَّعَادَةِ وَالثَّوَابِ، وَمُنْذِرِينَ مَنْ عَصَاهُمْ بِالشَّقَاءِ وَالْعَذَابِ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ الْمُفَصِّلَ لِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ وَالْمَدَنِيِّ بِالْحَقِّ، لِيَحْكُمَ تَعَالَى فِيهِ - أَوْ لِيَحْكُمَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست