responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 234
شَيْئًا لِعِظَمِ مَضَرَّتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ، تَوَهَّمُوا فِيهَا مَا شَاءُوا مِنْ قُدْرَةٍ تَفُوقُ قُدْرَتَهُمْ وَإِرَادَةٍ تَقْهَرُ إِرَادَتَهُمْ.
وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ، وَالتَّجَارُبُ تَكْشِفُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ فِيمَا يَتَوَهَّمُونَ; وَالْحَوَادِثُ تَأْتِيهِمْ بِعِلْمِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ، حَتَّى عَقَلُوا كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ اجْتِمَاعِهِمْ وَكَشَفُوا شَيْئًا مِنْ عَنَاصِرِ بِنْيَتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَوَصَلُوا إِلَى مَنْزِلَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِأَنْ يَفْهَمُوا بَاطِنَ
مَا عَقَلُوا وَسِرَّ مَا عَرَفُوا، وَلِأَنْ يَخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْجُسْمَانِيِّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ إِلَى عَالَمٍ رُوحَانِيٍّ كَانُوا يَسِيرُونَ فِي طَلَبِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.
هُنَالِكَ تَهَيَّأَ لَهُمْ أَنْ يَنْتَقِلُوا مَنْ طَوْرِ قُصُورِ الصِّبَا إِلَى أَوَّلِ سِنِّ الرُّشْدِ، فَجَاءَتْهُمُ النُّبُوَّةُ تَهْدِيهِمْ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُونَهُ فِي ذَلِكَ الطَّوْرِ الْجَدِيدِ، طَوْرٍ يَكُونُ وَاضِعُ النِّظَامِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ هُوَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ، وَيَكُونُ الْمُحَدِّدُ لِصِلَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ تَعَالَتْ أَسْمَاؤُهُ هُوَ الرَّحِيمُ بِهِمُ الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحَدِّدُهُ عُقُولُهُمْ، وَلَا تَسْمُوا إِلَى اكْتِنَاهِ ذَاتِهِ مَعَارِفُهُمْ، هَذِهِ هِيَ الْغَايَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُدْرِكُوهَا وَهُمْ فِي قُصُورِ الطَّوْرِ الْأَوَّلِ، قَدِ انْتَهَوْا إِلَيْهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ فِي الطَّوْرِ الثَّانِي.
فَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ: إِنَّ الْأُمَّةَ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْأُمَّةُ الْآخِذَةُ فِي اعْتِقَادِهَا وَعَمَلِهَا بِالْعَقْلِ وَمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ قَبْلَ النُّبُوَّاتِ جَمِيعِهَا; لِأَنَّ ظُهُورَ النُّبُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِقَبُولِهَا طَوْرٌ مِنَ الْأَطْوَارِ الْبَشَرِيَّةِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ النَّوْعُ الْإِنْسَانِيُّ إِلَّا بَعْدَ التَّدَرُّجِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلَةٍ تَنْتَهِي غَايَتُهَا إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ.
الِاسْتِعْدَادُ لِظُهُورِ النُّبُوَّةِ وَقَبُولِ دَعْوَتِهَا مَرْحَلَةٌ مِنَ الْمَرَاحِلِ الَّتِي تَسِيرُ فِيهَا الْجَمْعِيَّةُ الْبَشَرِيَّةُ عِنْدَمَا تَبْلُغُ الْعُقُولُ مَنْزِلَةً مِنَ الْقُوَّةِ وَمَقَامًا مِنَ السُّلْطَةِ، وَتَبْلُغُ النُّفُوسُ مِنْ قُوَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ مَا يُخْشَى مَعَهُ مِنْ ضَلَالِهَا أَنْ يُوقِعَهَا فِي خَبَالِهَا، عِنْدَمَا تُعَظِّمُ مَطَامِعَ الْعُقُولِ وَالشَّهَوَاتِ، وَتَتَّسِعُ مَجَالَاتُهَا وَتَبْعُدُ مَطَامِحُهَا، هُنَالِكَ يُخْشَى عَلَى الْجَمْعِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهَا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ أَرْكَانِهَا، كَمَا يُخْشَى مَنْ قُوَى الشَّابِّ أَنْ تُهْلِكَهُ عِنْدَمَا تَبْلُغُ الْبِنْيَةُ حَدَّ النُّمُوِّ وَتَبْدُو لَهُ الشَّهَوَاتُ فِي أَجْلَى صُوَرِهَا، فَكَمَا كَانَ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ أَنْ يَهَبَ الشَّابَّ قُوَّةَ الْعَقْلِ عِنْدَ بُلُوغِ السِّنِّ الَّتِي تَعْظُمُ فِيهَا الشَّهْوَةُ، وَيَقْوَى فِيهَا الْإِحْسَاسُ بِالْحَاجَةِ إِلَى تَوْفِيرِ الرَّغَائِبِ، حَتَّى يَقُودَهُ فِي تِلْكَ الْغِمَارِ، كَذَلِكَ فَعَلَ اللهُ بِالْجَمْعِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ عِنْدَمَا بَلَغَتْ بِمَعَارِفِ أَفْرَادِهَا ذَلِكَ الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَهَبَهَا تِلْكَ الْهِدَايَةَ الْجَدِيدَةَ، وَأَيَّدَهَا بِالدَّلَائِلِ الَّتِي بَلَغَ مِنْ قُوَّةِ الْعُقُولِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 234
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست