responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 230
وَجَبَ عَلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يَسْتَمِرَّ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْخَاصَّةِ وَيَسُودَ بِهِمْ بَيْنَ الْعَامَّةِ.
لَكِنْ قَدْ يَشُوبُ طَلَبُ الْحَقِّ شَيْءٌ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي عِزَّةِ الرِّيَاسَةِ أَوْ مَيْلٍ مَعَ أَرْبَابِهَا أَوْ خَوْفٍ مِنْهُمْ أَوْ شَهْوَةٍ خَفِيَّةٍ فِي مَنْفَعَةٍ أُخْرَى فَيَلِجُ ذَلِكَ بِصَاحِبِ الرَّأْيِ حَتَّى يَكُونَ شِقَاقٌ، وَيَحْدُثَ افْتِرَاقٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الشَّوْبَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَلْحُوظٍ لِصَاحِبِهِ، بَلْ دَخَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ فَهُوَ مِنَ الْبَغْيِ عَلَى حَقِّ اللهِ فِي عِبَادِهِ أَوَّلًا، وَالْبَغْيِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّذِينَ جَاءَ الْكِتَابُ لِتَعْزِيزِ الْوِفَاقِ بَيْنَهُمْ ثَانِيًا، وَأَمَّا الْعَامَّةُ مِنَ النَّاسِ فَلَا جَرِيمَةَ لَهُمْ فِي هَذَا; وَلِذَلِكَ جَاءَ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) فَإِذَا كَانَ الرُّؤَسَاءُ قَدْ جَنَوْا هَذِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ وَعَلَى النَّاسِ بِسَبَبِ الْبَغْيِ الْخَاصِّ بِهِمْ، فَهَلْ هَذَا يَقْدَحُ فِي هِدَايَةِ الْكِتَابِ إِلَى مَا يَتَّفِقُ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَيَرْتَفِعُ بِهِ النِّزَاعُ فِيمَا بَيْنَهُمْ؟ كَلَّا؛ فَقَدْ رَأَيْنَا كُلَّ دِينٍ فِي بَدْءِ نَشْأَتِهِ يُقَرِّبُ الْبَعِيدَ وَيَجْمَعُ الْمُتَشَتَّتَ وَيَلِمُّ الشَّعَثَ وَيَمْحَقُ أَسْبَابَ الْخِلَافِ مِنَ النُّفُوسِ وَيُقَرِّرُ بَيْنَ الْآخِذِينَ بِهِ أُخُوَّةً لَا تُدَانِيهَا أُخُوَّةُ النَّسَبِ فِي شَيْءٍ، وَهَلْ يُؤْثِرُ الْأَخُ فِي النَّسَبِ أَخَاهُ بِمَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ؟ وَهَلْ يَبْذُلُ الْأَخُ النَّسَبِيُّ رُوحَهُ دُونَ أَخِيهِ وَيُؤْثِرُهُ بِالْحَيَاةِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا آثَرَهُ بِالْمَالِ، كَمَا كَانَ يَقَعُ مِنْ أُولَئِكَ الْأَبْطَالِ؟ هَذَا شَأْنُ الدِّينِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، مَعْرُوفٌ بِحَقِيقَتِهِ لِأَهْلِهِ، تُبَيِّنُهُ لِلنَّاسِ رُؤَسَاؤُهُ، وَيَمْشِي بِنُورِهِ فِيهِمْ عُلَمَاؤُهُ، لَا خِلَافَ وَلَا اعْتِسَافَ، وَلَا طُرُقَ وَلَا مَشَارِبَ، وَلَا مُنَازَعَاتٍ فِي الدِّينِ وَلَا مَشَاغِبَ.
هَذَا هُوَ الدِّينُ الْإِلَهِيُّ الَّذِي قَدَّرَ اللهُ أَنْ يَكُونَ هِدَايَةً لِلْبَشَرِ فَوْقَ الْهِدَايَاتِ الَّتِي وَهَبَهَا لَهُمْ مِنَ الْحَوَاسِّ وَالْعُقُولِ، فَإِذَا لَمْ يَهْتَدِ بِهَا الَّذِينَ أُوتُوهَا وَهُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ، وَبَغَوْا بِالتَّأْوِيلِ، وَكَثْرَةِ الْقَالِ وَالْقِيلِ، فَهَلْ يَمَسُّ ذَلِكَ جَانِبَهَا بِعَيْبٍ؟ مَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْتِيهِمُ اللهُ الْعَقْلَ ثُمَّ لَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيمَا أُوتِيَ لِأَجْلِهِ؟ هَلْ تَنْقُصُ حَالُهُمْ هَذِهِ مِنْ مَنْزِلَةِ الْعَقْلِ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ؟ مَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ أَبْصَارٌ وَأَسْمَاعٌ وَلَكِنْ يَخْبِطُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي سَيْرِهِ فَلَا يَسْتَعْمِلُ بَصَرَهُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُ فِيهَا، أَوْ فِي وِقَايَةِ رِجْلَيْهِ مِنَ الشَّوْكِ الْوَاقِعِ عَلَيْهَا، أَوِ التَّبَاعُدِ عَنْ حُفْرَةٍ يَتَرَدَّى فِيهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ نَظْرَةٌ وَاحِدَةٌ تَقِيهِ مِنَ التَّهْلُكَةِ لَوْ وَجَّهَهَا نَحْوَهَا، وَقَدْ يَسْمَعُ مِنَ الْأَصْوَاتِ الَّتِي تُنْذِرُهُ بِالْخَطَرِ الْقَرِيبِ مِنْهُ ثُمَّ لَا يُبَالِي بِمَا يَسْمَعُ، حَتَّى يُصِيبَهُ مَا لَيْسَ لَهُ مَدْفَعٌ، فَهَلْ تُحَطُّ حَالُ هَؤُلَاءِ النَّاسِ مِنْ قِيمَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ؟
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَرْفَعُ مِنْ شَأْنِ الدِّينِ وَتَعْلُو بِهِ إِلَى أَرْفَعِ مَقَامٍ مِنْ مَقَامَاتِ الْهِدَايَاتِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست